،،كلمني شكرا،،
بقلم ” دكتور محمد بدير “خبير علاقات عامة وتنمية ادارية وبشرية
(كلمني …شكرا) ليس إعلان أو دعاية، ولكنه أحد قوانين الاتصال والتواصل الناجح مع الآخرين. فكثير من الناس عندما يتكلمون معي ادرك أنهم يتكلمون مع أنفسهم فقط وليس معي، برغم أنهم ينظرون إليّ ويوجهون كلامهم نحوي، وينطقون اسمي ليؤكدوا لي أنني المقصود بكلامهم. وقد اتمادى معهم فأشجعهم على الاستمرار في الكلام (خوفا أو طمعا أو تأدبا)، وأرسل لهم اشارات جسدية وحركية بأنني مستمع لهم، وقد أبادلهم الحديث (طوعا أو كرها). وبرغم ذلك… أنا منفصل عنهم لأنهم غير مهتمين بي ومهتمين فقط بأنفسهم.
هذا النوع من الاتصال والتخاطب منتشر بشكل كبير، ونراه في حالات واضحة في علاقات المديرين مع الموظفين، وخاصة مع ذلك المدير المتغطرس المغرور الذي لايرى إلا نفسه، ولا يعتز إلا برأيه لدرجة عدم الاستماع للآخرين، فلا يتيح لهم فرصة لأبداء آرائهم لأنهم ليسوا على مستوى إبداء الرأي. ويصل الغرور عند هؤلاء المديرين أو المسؤولين بأن يعتقدوا أنهم يعرفون احتياجات الموظفين ورغباتهم وطموحاتهم أكثر من الموظفين أنفسهم، فلا يشغلوا أنفسهم بأخذ رأيهم أو مشاوراتهم في القرارات قبل صدروها أو بعد صدورها. وهذا الداء يجعلهم بعيدين عن الموظفين ولايدركون حقيقة مطالبهم ولا احتياجاتهم الفعلية ولا مشاكلهم الحقيقية، وحينئذ تصبح هناك فجوة كبيرة بينهم وبين موظفيهم، ويختفي
أهم مبدأ في الاتصال الناجح وهو(الاهتمام بالآخر).
وعندما يصدر هؤلاء المديرين أوامرهم وتعاميمهم الإدارية لن تجد قبولا كبيرا لدى الموظفين لأنها في الغالب تعبر عن توجه ورأي مصدرها وليس مستقبلها، ولذا تجئ الاستجابة للقرارات الادارية والتعاميم ضعيفة، وإذا وجدت استجابة فإنها تكون استجابة سطحية وقتية… ولذا تتراكم القوانين والتعاميم ولاتنفذ… ويظل الحال كما هو عليه… مديرون يتحدثون مع أنفسهم وليس مع موظفيهم.
وقد نجد هذا التخاطب الاحادي (ذو الاتجاه الواحد) على مستوى العائلات، فنجد بعض الاباء أو الامهات المتسلطين يصدرون الاوامر والتعليمات للاولاد دون أن يناقشوهم فيها، لأنهم يرون أنفسهم دائما الأصح، وأن ابنائهم لايجيدون فنون الحياة، وأنهم حتما سيغرقون إذا تركوا تعليمات أولياء الامر. وينسى اولياء الأمر أنهم يتعاملون مع ابناء لهم طبيعة بشرية تنضج من خلال تجرية الفشل والنجاح، وتنجح من خلال مكتسباتهم الشخصية وتجاربهم الحياتية.
وقد يرفض أولياء الأمور – في ظل حبهم لابنائهم – مبدأ الاستماع لابنائهم والتفاهم معهم ومناقشتهم في القضايا التي تخصهم أو تخص الأسرة بحجة أن هؤلاء الابناء لا ولن يحسنوا التصرف. ولا يدرون أن نتيجة (عدم تقدير) الابناء هي عدم وجود اتصال قوي مع ابنائهم وأن هناك فجوة بدأت تتسع، وأن النتيجة الحتمية لذلك فقد الاستجابة الحقيقية من الابناء لنصائحهم وتوجهاتهم… وحينئذ سوف يدركون أنهم اصبحوا يتكلمون مع أنفسهم وليس مع ابنائهم.