دفع وجود عمر أبو النمر " 30 عاما " داخل مدرسة لإيواء النازحين من المناطق الحدودية لداخل المناطق الآمنة ، لإعلان رغبته في الزواج بالفتاة التي اقترن بها قبل ثمانية شهور ، مستغلا وجود أعداد كبيرة من النازحين داخل المدرسة ليقفوا له يوم فرحه ، لعدم وجود اى شخص من أسرته وأقاربه داخل قطاع غزة .
خمسة سنوات عاشها أبو النمر في قطاع غزة بعدما ترك الإمارات وأسرته هناك حينما بلغ عامه الخامس والعشرون ، وتوجه لمصر ليتم إلقاء القبض عليه وترحيله لقطاع غزة كونه فلسطيني ويحمل وثيقة مصرية ومن فلسطينيو أل 48 ، ليدخل غزة رسميا عام 2009 لأول مرة .
بعد تحقيق الجهات المختصة معه لحظة دخوله القطاع تم السماح له بالمبيت داخل غرفة الأكسجين في مستشفى ناصر بخانيونس على أن يقوم بتعبئة اسطوانات الأكسجين "نيترويس " الخاصة بأقسام المستشفى وتوزيعها حسب الحاجة دون تقاضى اجر ، واستمر على هذا الحال مدة ثلاثة سنوات ، إلى أن تم طرده من المستشفى بعد كشف أمره من احد المسئولين الذين زاروا المستشفى .
وبعد محاولات باءت بالفشل فقد توجه لمصر عن طريق الأنفاق لمحاولة العودة لأهله ، وسرعان ما تم إلقاء القبض عليه وإعادته لغزة ، وبمساعدة احد المسئولين تم استصدار جواز فلسطيني له للسفر رسميا عن طريقه ، إلا أن الحكومة المصرية رفضته امنيا وإعادته لغزة .
خطوات تكللت بالفشل حكمت عليه التقبل بالواقع المرير والعمل على كسب قوته والتأقلم على هذا الحال ، فحمل ظرف يضع فيه بعض الملابس ونام على شاطئ البحر عدة ليال ، لينتقل بعدها للعمل في مطعم محلي والمبيت في مبنى خال تابع للحكومة وسط مدينة غزة .
وبعد تقطع كافة السبل في وجهه صادفه ذات يوم لقاء صديق له عائد من ليبيا ، وبعدما دار حديث طويل تواصلا بعدها فترة قصيرة ، ثم طرح صديقه الليبي فكرة زواجه من فتاة مستورة ، وافق أبو النمر بعد صلاة الاستخارة ووافقت أسرة الفتاة بعد اتفاق دار بينهما .
محبة زرعت بينهما منذ الخطوبة التي تمت قبل ثمانية أشهر ، وتكللت بمجموعة هدايا كثلاجة وغسالة ومايكروويف وأجهزة كهربائية وأجرة منزل لمدة سنة استلمها أبو النمر من أهل الخير ، وضعها لدى بيت "أهل زوجته في بيت حانون لحين تجهيز شقته .
وسرعان ما قامت الحرب على القطاع لترحل خطيبته هبة فياض " 24 عاما " وأسرتها وكل سكان منطقة بيت حانون ، نظرا لاقترابها من مناطق العمل العسكري في الحرب على قطاع غزة إلى مدرسة جباليا ، ويهدم بيتها بعد خروجها بأيام قليلة وتدمر هدايا عمر بالكامل وتضاف للأرقام التي دمرت والمنازل التي أصبحت ركام ويرحل عمر إلى مدرسة الشاطئ .
ولا تزال مدينتها مليئة بالجراح كما باقي مدن ومخيمات القطاع ، فقرر طرح فكرة الزواج خلال وجودهما داخل مركز إيواء بناء على نيته المسبقة بالزواج بعد العيد ، وبعدما وافقت العروس رغم رفض أهلها الشديد ، إلا أن الجميع انتهى بالموافقة على الزواج وإحياء الزفاف داخل المدرسة بحضور النازحين .
فابلغ عمر نيته بالزواج من خطيبته للمرشد النفسي المتواجد داخل المركز الذي قام بدوره بإبلاغ مدير المركز ، ليتم بعد ذلك رفع الموضوع لغرفة عمليات المدينة بالكامل ، ليتم تشكيل غرفة عمليات من مجموعة من الجنود المجهولين من الاونروا لتسهيل زواج عمر وتحقيق أمنيته رغم أجواء الحزن الموجودة في قطاع غزة على الشهداء والجرحى وصور الدمار .
فتمت تجهيزات الفرح خلال أيام قليلة ، وتم حجز يومين عسل بدل شهر العسل داخل فندق الاركميد غرب مدينة غزة ، لتبدأ مراسم الفرح وسط النازحين وتمكن الحضور من اختلاس بعض لحظات الفرح رغم الحزن والتشرد ، ثم بدأ الجميع بالرقص أمام العروسين بحضور فرقة دبكة فلسطينية ، فيما أطلقت النازحات الزغاريت ونثروا الورود عليهم ،مستقبلين الحضور بابتسامات الفرحة التي شعروا بها بالفعل رغم الألم .
وانتهى العريس من يومين داخل الفندق ليعود إلى مدرسة الإيواء برفقة زوجته ، بعد ترتيب أمور خاصة به كعريس داخل المدرسة بتنسيق وإدارة غرفة عمليات الاونروا بغزة ، وإذا استمر الحال على ما هو عليه سيعود للتشرد بعد الخروج من المدارس إذا لم يتم توفير مسكن وفرصة عمل له .
وناشد أبو النمر الرئيس محمود عباس وأهل الخير بمساعدته على توفير مسكن له واستخراج جواز سفر ، حتى يعيش بكرامة مع زوجته داخل قطاع غزة .
من جانبه قال مدير غرفة عمليات الطوارئ بمدينة غزة الدكتور ماجد البايض ، انه وبعد إعلام إدارة المدرسة بنية عمر بالزواج بهذا التاريخ طالبا المساعدة منهم ، تعاطف معه الجميع وقرروا العمل لإنجاح حفل زفافه لإيصال رسالة للعالم بتحدي الظروف الصعبة بغزة ، حيث ساهمت الإغاثة الإسلامية بعد تواصل إدارة غرفة العمليات بتوفير طعام الغذاء والحلويات لكل النازحين داخل المدرسة المشاركين في حفل الزفاف ، وتبرعت إدارة فندق الاركميد بمنح العروسين ليلتين داخل الفندق .
وقال " ساهم أهل الخير من خلال تواصلنا معهم بتوفير بدل الزفاف للعروسين وتقديم الورود والكيك ، وقام العاملين داخل المدرسة بتقديم الدعم اللوجستى وقاموا بتنظيم المدرسة وتزيينها ، وتمت كافة الأمور بعد تشكيل غرفة العمليات طاقم لإنجاح الفرح ، وتقدمت الإغاثة الإسلامية بمنح العروسين مبلغ رمزى " .
وأشار الدكتور رأفت الهباش إلى أن الاونروا لم تتكفل باى مصاريف للفرح سوى الاستضافة في مركز الإيواء والمساهمة بتنسيق إجراءات الفرح كاملة ، كما تقدم بالشكر لكافة العاملين في المدرسة لإنجاح هذا العرس الفلسطيني ، كما قام بتوفير الاجواء المناسبة الخاصة بالعريس لعودته للمدرسة فى وضع خاص.