الأحزاب العربيّة في العقيدة الإسرائيلية !
د. عادل محمد عايش الأسطل
الأحزاب
العربية التي تم تدشينها تباعاً منذ قيام الدولة الإسرائيلية 1948، كان
برغبة فلسطينية، تهدف إلى إثبات الوجود الفلسطيني، وللمحافظة على حقوقه
الوطنية، وبتشجيع إسرائيلي، لأجل أن تعكس لدى المجتمع الدولي صورة إسرائيل
كم هي ديمقراطية، لكن لم يتم منحها أيةّ أوزان سياسية تُذكر، ولم يتم إفساح
المجال أمامها نحو اتخاذ أيّة قرارات مستقلّة يُمكن تطبيقها، على الرغم من
اندفاع بعض زعماءها ناحية الدولة، مثل "سيف الدين الزغبي" كعربي درزي،
ممثلاً عن الكتلة الديموقراطية للناصرة، الذي قام بتقديم خدماته حتى قبل
قيام الدولة، أو "توفيق طوبي" كعربي مسيحي ممثلاً عن القوى الوطنية، وعصبة
التحرر الوطني، الذي كان وافق على قرار التقسيم، أسوةً بموقف الاتحاد
السوفياتي آنذاك.
وبرغم
تطور الحركة الحزبيّة العربيّة، إلاّ أن حالها الحزبي والتنظيمي شابه
تماماً جملة الأحزاب الإسرائيلية، من حيث الانشقاقات والاندماجات- الثقيلة
والخفيفة- تبعاً لتطور الثقافة السياسية لدى زعاماتها، أو نتيجة لتوتّرات
وتضاربات مصالحها السياسية والمجتمعية، لكننا في هذه الأثناء وللمرّة
الأولى، شهدنا اتحاداً غير مُعتاد فيما بينها، كونه شمل الأحزاب العربيّة
كلها، خاصةً أنها تستند إلى تقسيمات طائفية من العرب المسلمين، المسيحيين،
البدو والدروز وغيرهم، والذي جاء تحت مسمّى القائمة العربية الموحّدة.
مثّل
قانون الكنيست الخاص برفع نسبة الحسم لخوض الانتخابات البرلمانية في
إسرائيل، من 2% إلى 3.25%، السبب – ربما الأوحد- في إجبار تلك الأحزاب
العربية (الثلاثة)، إلى الاتحاد من أجل التمكّن من خوض دورة الكنيست ألـ 20
معاً، والمقررة في منتصف مارس/آذار المقبل، بغض النظر عن التكهّنات التي
تقول بأن زيادة ستحصل في نسبة التصويت لصالحها، في حال كانت موحّدة، بسبب
أن كان هذا معلوم طوال الوقت لديها، ولم تشأ في التوحّد، بسبب اختلافات في
المناهج الأيديولوجية والمستجدات الخاصة بها، وكانت استطلاعات رأي قد أظهرت
نسبة تمثيل مشابهة لما هي عليه الآن، والتي أوضحت، بأن القائمة الموحدة
ستحصل من 11-12 مقعداً، من أصل 120 مقعداً، هي مجموع المقاعد الممثلة في
الكنيست الإسرائيلي، في حين كان حصولها منفردة على 13 مقعداً في الكنيست
المنتهية ولايتها، بواقع 4 مقاعد للقائمة الموحدة - العربية للتغيير، و4
للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (يهودي- عربي) و3 مقاعد للتجمع الوطني
الديمقراطي، بما يعني أن التوحّد، هدفه اجتياز نسبة الحسم والبقاء في
الكنيست، وهو الأمر الذي يبقي شكاً مهمّاً باتجاه انفراط القائمة، خلال
الأيام التالية للانتخابات، كون الذي تم هو مجرّد اتحاد وليس اندماج، كما
أن هناك امتعاض وعدم رضىً عن وجود زعماء أحزاب أنفسهم، في غير أمكنتهم
المناسبة في نظرهم على الأقل، إضافة إلى أن افتراقهم، لا يقلل من نشاطاتهم
المختلفة، داخل الكنيست أو على نطاق الدولة، برغم- أرجو أن أكون مخطئاً-
الشعارات التي تم رفعها من أن القائمة الجديدة، ستستمرّ، وأنه سيكون
بإمكانها تغيير الوضع السياسي والاجتماعي العامّين في إسرائيل.
على
سبيل المثال، فإن الجبهة العربية للسلام، والتي نالت المرتبة الأولى في
القائمة الجديدة بقيادة "أيمن عودة" والمكونة من يهود-عرب يساريين، ينحدرون
من رؤية شيوعية برئاسة اليهودي "دوف حنين" منذ 2006، وبرغم أنها تدعم جهود
السلام، وتقف ضدّ السلطات الإسرائيلية، وترفع لواء القومية العربيّة منذ
الأوقات العصيبة وإلى هذه الأثناء، إلاّ أن هناك فجوات مهمّة تفصلها عن
القائمة العربية، التي لديها اهتماماً ملحوظاً بالدين الإسلامي وتبدي
معارضةً شديدة للصهيونية، وتبذل جهوداً أكبر بالنسبة للقضية الفلسطينية،
وفجوات أخرى تفصلهما عن التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يعمل ضمن بيئة
يهودية، على الربط بين الهوية القومية ومبادئ الديمقراطية داخل الدولة.
وعلى
أيّة حال، فإن مكان القائمة الموحّدة هو في اليسار، وهي كذلك كما وضع
الأحزاب العربية منذ قيام الدولة، برغم تأسيسه للصهيونية والمشروع
الصهيوني، أي إلى جانب اتحاد العمل الصهيوني، بزعامة الثنائي "إسحق
هيرتزوغ، تسيبي ليفني"، وسواء كان في المعارضة أو في الحكومة، ولذلك فإن
الثنائي السابق الذكر، لم يُبالغا في الاهتمام بالتطورات الحزبيّة العربية
الجديدة، بسبب العقيدة الإسرائيلية العامة التي يتمنطقان بها، من أنها
تحصيل حاصل، حيث لم تُدعَ أي من الأحزاب العربية من قبل، إلى المشاركة في
الحكم كحقيقة واقعة، وحتى في حال فوزهما بالانتخابات، وقيامهما بتوجيه دعوة
لها – كسابقةً أخرى-، فإنها ستكون مترددة في المشاركة في الائتلاف الجديد،
بسبب أنها لن تحصل على حقائب وزارية، كما أن انضمامها لن يغيّر من أعماله،
سيما في الشأن الاستيطاني، حيث لن يكون بوسعها وقفه بشكلٍ كامل، وإن كان
اهتمامهما قد انصبّ في ما يخص المشروع الأوحد، وهو إسقاط رئيس الوزراء
الحالي "بنيامين نتانياهو"، ودحرجته عن الحكم.
الساحة
الإسرائيلية لم تخلُ من اهتمامات أخرى بتلك التطورات، وخاصةً الآتية من
قِبل وزير الخارجية وزعيم حزب إسرائيل بيتنا "أفيغدور ليبرمان" الذي كان
بمقدوره إظهار غضب أكثر باتجاه الوحدة، برغم أنه هو بنفسه الذي قاد الدعوة
إلى تمرير قانون الحسم، حيث أعتبر بأن وحدة تلك الأحزاب وعلى أشكالها-
إسلامية، مسيحية، شيوعية- جاءت لتكشف عن هدفها المشترك، وهو وضع نهاية
لإسرائيل كدولة يهودية، قال ذلك، وهو يعلم بمدى كذبه، بسبب قصده حشو أسماع
اليمين بضرورة الالتفاف حول حزبه، ليس في مواجهة الوحدة العربيّة واليسار
بعامةً، ولكن في مواجهة اليمين أيضاً.
خانيونس/فلسطين