وعد بلفور بين القانون الدولي والقانون
الإنساني:
اتخذت الحركة الصهيونية العالمية من هذا
الكتاب مستنداً قانونيا يدعمون به مطالبهم في سبيل
إقامة الدولة اليهودية فهل لهذا التصريح أهلية قانونية؟ وقد أجمع رجال القانون في
العالم على عدم شرعية هذا الوعد للأسباب التالية:
أولاً:
إن التصريح ليس معاهدة وليس لهذه الرسالة
أية قيمة قانونية باعتبار إن وعد بلفور يمنح
أرضاً لم تكن لبريطانيا أية رابطة قانونية بها، فبريطانيا لم
تكن تملك فلسطين وقت إصدارها هذا التصريح.
فالقوات البريطانية احتلت الأراضي الفلسطينية
بشكل تدريجي بدءاً من غزة في 7 نوفمبر عام 1917 ثم احتلت يافا في السادس عشر
من نوفمبر من نفس العام، و احتلت القدس في التاسع من ديسمبر من نفس العام أيضاً، و
حتى ذلك الوقت كانت فلسطين جزءاً من ولايتي طرابلس وبيروت في الدولة العثمانية التي
رفضت تصريح وعد بلفور، ولم تعترف بحق اليهود في فلسطين ولم يرض سكان فلسطين العرب
بهذا التصريح و قاوموا مطالب الصهيونية .
فالحكومة البريطانية بإصدارها هذا الوعد
قد خولت لنفسها الحق في إن تتصرف تصرفاً مصيرياً في دولة ليست لها عليها أية ولاية
وتعطيه للآخرين دون أن ترجع إلى أصحاب هذا الإقليم، مما يجعل هذا الوعد باطلاً
من وجهة نظر القانون الدولي و غير ملزم للفلسطينيين.
ثانياً:
إن وعد بلفور
تنعدم فيه الأهلية القانونية فطرف "التعاقد" مع بريطانيا في هذا الوعد
هو شخص أو أشخاص و ليس دولة، فوعد بلفور خطاب
أرسله بلفور إلى شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسمي
و هو روتشيلد.
و من صحة انعقاد أي اتفاقية أو معاهدة
دولية كما هو معلوم أن يكون طرفا أو أطراف
التعاقد من الدول أولاً ثم من الدول ذات السيادة ثانياً, أو الكيانات السياسية ذات
الصفة المعنوية المعترف لها بهذه الصفة قانونياً.
أما التعاقد
أو الإنفاق أو التعاهد مع الأفراد فهو باطل دولياً شكلاً وموضوعاً ولا يمكن
بأي حال من الأحوال امتداد أثر مثل هذا التعاقد بالنسبة لغير أطرافه وبالنتيجة
فإنه ليس ملزماً حتى لإطرافه.
ثالثاً:
إن وعد بلفور باطل لعدم شرعية مضمونه حيث
إن موضوع الوعد هو التعاقد مع الصهيونية لطرد شعب فلسطين من دياره وإعطائها
إلى غرباء، فإنه من أسس التعاقد الدولي مشروعية موضوع التعاقد بمعنى أن يكون
موضوع الاتفاق بين الطرفين جائزاً و تقره مبادئ الأخلاق ويبيحه القانون وكل تعاقد
يتعارض مع إحدى هذه الشروط يعتبر في حكم الملغى و لا يمكن أن يلزم أطرافه.
رابعاً
وعد بلفور هو اتفاق غير جائز بالمطلق ذلك
أنه يجسد صورة انتهاك لحقوق شعب فلسطين وهذا يعتبر مخالفاً لمبادئ الأخلاق والقانونين
الدولي والإنساني. ويرفض القانون الدولي انتهاك حق الشعوب في الحياة والإقامة في
بلادها, وتهجيرها قسرا.