الله- معا - نجح
الباحث والإعلامي محمود الفطافطة في طرق خزان قضية الاخطاء الطبية في
فلسطين؛ تلك القضية الشائكة بموضوعها، والحساسة بأبعادها، والدقيقة في
الحكم عليها. قضية تسبح في حقل مملوء بأشواك الغموض والتعقيد والتناقض..
نقول ذلك لأن الخطأ الطبي يحتاج إلى أدلة دامغة ووثائق رسمية، وهذا هو
التحدي الأكبر أمام المتضرر وذوي الضحية.
الباحث الفطافطة استطاع ومن خلال معرفته الموسوعية ومهارته البحثية أن يقتحم هذا الحقل دون أن يُصاب بألغام الوثائق المدلسة أو القصص المختلقة أو الدعاوى المتكئة على رماد الإشاعة. الفطافطة طرق دروب هذا البحث انطلاقاً من منهجية مدروسة، وموضوعية مسؤولة. أراد من خلال هذا الكتاب أن يصدح بنداء التشخيص الشامل والعلاج العلمي لمثل هذه الأخطاء دون أن يقذف التهم هنا أوهناك . حيث يقول: الطبيبُ والمريض كلاهما منّا ولنا، فالأول سمعتُه ومكانته يجب أن نحافظ عليها، بينما سلامة الثاني تتطلب العناية بها.
الكتاب الذي بين أيدينا لم يكن الهدف منه سرد أو تسجيل سلسلة طويلة من قصص الأخطاء الطبية الأليمة بقدر البحث عن آليات مناسبة للحد منها . فالأخطاءَ الطبيةُ ( كما يؤكد الفطافطة ) حقيقةٌ واقعة، والمهمة الأساسية المطروحة أمام أي جهة فلسطينية ذات علاقة بالموضوع ليست منع وقوع هذه الأخطاء، لأنّ هذا مستحيل؛ بل العمل على خفض نسبة وقوعها من خلال علاج الأسباب التي تؤدي لحدوثها، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بعد وقوع أي خطأ طبي، بما يشمل معاقبة المتسبب إذا كان الخطأ ناجماً عن إهمال طبيّ وتعويض المتضرر.
ومنذ البداية يعترف الكاتب بصعوبة المهمة التي تصدى لها فيقول : رغم محاولتنا في هذا الكتاب أن نحقق شمولية التناول، والإنصاف في الحُكم إلا أن اليقين سيلازمنا دوماً بأن مثل هذه القضية (الأخطاء الطبية) ستظل تحمل في جوفها الكثير من الجدل الحاد، والنقاش المثير حول المفهوم والأسباب والمعالجة.
وقبل أن ندلف للحديث عن فصول هذا الكتاب ارتأينا اقتطاف مختارات من كلمة التقديم التي وضعها المخرج والصحافي زهير اطميزة.. هدف الركون إلى التقديم مرده اسعاف قنديل التحليل بإشعاع قوي لمسناه في مجمل نص اطميزة . يقول :" في الحياة دائماً ما نقول: إنّ "الغلط مردود"، والغلط هنا يعني الخطأ، وكلمة مردود تعني أنّه يمكن تدارك هذا الخطأ وتصحيحه، وهذا ممكن في كثير من الأحيان والمجالات، لكن في الطب، الأمر مختلف تماماً، فالخطأ قد يؤدي إلى فقدان أحد الأعضاء، أو إلى الإعاقة، وأحياناً كثيرة إلى الموت، وما يترتب على ذلك من معاناة للضحايا وذويهم، ففي كل الحالات يكون "الغلط غير مردود"؛ بل يرقى أحياناً إلى درجة القتل (غير العمد طبعاً)، وليس القتل هنا تعبيراً مجازياً؛ بل حرفياً بكل ما للكلمة من معنى، لكن هذا لا يعني نعت الطبيب بالقاتل، فالنيّة في القتل لا تتوفر هنا، فما بالنا إذا أُضيف إليها الإهمال، والتقصير، واللامبالاة، والعزّة بالإثم، والمكابرة، وضعف المعرفة أو/ والإمكانيات.
ويضيف:" كل ذلك مجتمعاً يحصل في مستشفياتنا ومراكزنا الطبية وفي عيادات أطبائنا، ومثله أو بعض منه قد يحصل في بعض الدول، حتى المتقدمة منها، لكن دائماً وفي كل الدول تقريباً هناك اعتراف بالخطأ، الأمر الذي يُتيح التعلم منه وتلافيه مستقبلاً، وهناك قوانين تحمي حقوق الأطراف جميعها، هناك تأمين ضد الأخطاء الطبية يعوِّض الضحايا، ويدفع ثمن أخطاء الأطباء، وهناك محاكمات منصِفة للمخطئ وللضحية، تعطي كل ذي حقّ حقه، أما في فلسطين فلا توجد قوانين ولا تأمين يحمي ضحايا الأخطاء الطبية في القطاع الحكومي، هذا رغم الوعود المتكررة من قبل الحكومة ووزير الصحة السابق الدكتور فتحي أبو مغلي شخصياً بالعمل على إيجاده، وفي أفضل الحالات يتم التضحية بالطبيب لصالح المؤسسة، فيصبح لدينا ضحيتان / مشكلتان بدل من ضحية واحدة، أو مشكلة واحدة.
أما عن القانون ( والكلام لاطميزة) فحدّث دونما حرج، فنحن نحتكم لقانون العقوبات الأردني لعام 1960م، والذي ما زال ينصّ على غرامة مقدارها خمسة دنانير أو عشرة. هنا يتساءل اطميزة: هل حقاً لم تؤثر فينا اثنتان وخمسون سنة من التطور العلمي والفقهي والقانوني؟!!.
وفي معرض حديثه عن الكتاب يؤكد اطميزة " أن هذه الدراسة القيّمة ستنقذ أرواحاً كثيرة بنشرها، فالكثيرون سيرون من خلالها حقائق كانت غائبة أو مغيَّبة، والكثيرون سيعرفون أنّ " قتل" الإنسان أو التسبب بإعاقته ليس قَدَراً في كل الأحوال، وكثيرون سيعلمون أن الصمت ليس الحل الوحيد؛ بل هو مشاركة في التستّر على الجرائم والأخطاء، وكما أنّ كل إنسان مسئول عن عمله، فإن المسئولية الطبية ـ في غالب الأحيان ـ لن تظل بعد نشر هذا الكتاب في ذيل أولويات المواطن وصانع القرار".
وقبل الخوض في تلخيص محاور وموضوعات الكتاب نود ذكرها وهي : مسرد مفاهيمي، دراسات سابقة، الخطأ الطبي عبر التاريخ، الخطأ الطبي: تعريفات وتصنيفات، معطيات وتشريعات، صور وأشكال الخطأ الطبي، الأخطاء الطبية في فلسطين، الاستطلاع: نتائج وتحليل، حلول، قصص وحالات، الى جانب الملاحق التي تضمنت قوانين للأخطاء الطبية في بلدان عربية وأجنبية، علاوة على الصور والتقارير المتعلقة بأخطاء طبية، فضلاً عن النتائج والتوصيات وقائمة المراجع.
وفي صورة أولية وعامة يقدم لنا الكتاب المساهمات التالية:
• إعطاء صورة عامة عن تاريخ الأخطاء الطبية لدى الأديان والأقوام عبر التاريخ، بدءاً من عصر الفراعنة، مروراً بالرومان، وصولاً إلى العهد الإسلامي الأول وما تبعه من عصورٍ وأزمان.
• الاطلاع على أهم الأدبيات والمؤلفات التي تطرقت إلى المسؤولية الطبية بصورةٍ عامة، والأخطاء الطبية على وجه الخصوص.
• الوقوف على حقيقة قضية الأخطاء الطبية في فلسطين وتفاصيلها وفق منهجية بحثية موضوعية متوازنة، بعيداً عن إدانة الطبيب مقابل نصرة المريض، أو بالعكس.
• تسليط الضوء على الأخطاء الطبية خاصة في ظل تهميشها ببُعديها البحثي ـ المعرفي، والمؤسساتي ( الرسمي والخاص).
• التعرف على التشريعات والقوانين، سواء المحلية أو العربية أو الدولية المتعلقة بهذه القضية.
• سرد مجموعة كبيرة من القصص التي يعتقد أصحابها أنها وقعت ضحية لخطأ طبي، مع التأكيد هنا أن بعض هذه القصص قد لا يكون لها صلة بالخطأ الطبي؛ بل جاء ذكرها بسبب ما يتوافر فيها من معايير ترُجح وقوع هذا الخطأ.
• محاولة إيجاد آليات وأساليب متبعة في العالم لمواجهة الأخطاء الطبية، والتعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً يستوجب البحث والمتابعة والحل..
• إثراء المكتبة الفلسطينية والعربية بكتابٍ قد يمثل مرجعاً أساسياً حول هذه الموضوع الهام بموضوعه والمعقد بتفاصيلة.
يخصص الكاتب الفصل الأول لسرد المفاهيم المتعلقة بالأخطاء الطبية؛ حيث يذكر 37 مصطلحاً منطلقاً من ذكر تعريف المرض مروراً بالصحة العامة والتشخيص الطبي والضرر وأنواعه والخطأ وأشكاله والإهمال وأصنافه والإجهاض والتعقيم والقتل الرحيم وصولاً الى التعريف بالبطاقة الطبية الذكية باعتبارها نموذجاً مناسبا للتقليل من مخاطر هذه الاخطاء.
أما الفصل الثاني فيتناول الكاتب فيه عدد من المؤلفات والدراسات ورسائل الماجستير والتحقيقات والتقارير والمقالات التي تناقش الأخطاء الطبية على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني.. يقول المؤلف في هذا الخصوص " في الوقت الذي نجد كثير من الدراسات تتناول قضية الأخطاء الطبية على مستوى العالم فإننا لم نعثر إلا على القليل من ذلك في الحالة الفلسطينية" . ويضيف " رغم أن هذه الدراسات تركز على الجانب النظري لهذه المسألة إلا أن التعامل معها وفق حقيقة وجودها وازدياد حالاتها وتنوع أشكالها وآليات مواجهتها ما زال يترنح في رحى التباطؤ وتكلس البيروقراطية وغموض الصلاحيات وإقفال باب الحقوق من منطلق رمي الأخطاء في وعاء القدر ".
ويرى المؤلف أنه بعد استعراض الأدبيات والدراسات السابقة يمكن الخروج بعددٍ من الملاحظات، أهمها:
• أن المؤلفات نادرة وأغلبها تتناول الجانب القانوني أو القانوني المقارن لهذه المسألة.
• معظم المؤلفات التي تتطرق إلى الأخطاء الطبية تركز على المسؤولية التقصيرية والتأديبية ( المسلكية) لمثل هذه الأخطاء.
• الأدبيات التي تتطرق إلى القصص والحالات المتعلقة بالأخطاء الطبية قليلة جداً.
• كثير من الدراسات تغرق في تفاصيل المسؤولية الطبية والمهنية دون إعطاء مساحة مطلوبة لآليات المعالجة والمواجهة.
أما الفصل الثالث فيقسمه المؤلف الفطافطة إلى جزئين، الأول يتناول فيه تاريخ الاخطاء الطبية في العصور القديمة، بينما الثاني فيتطرق فيه إلى رؤية الاسلام لهذه الأخطاء.. بالنسبة للجزء الأول يبين الكاتب أن الطب يعتبر من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان؛ بحيث نشأ في عصور ما قبل التاريخ ممتزجاً بالخرافات والسحر، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن الشيطان يكمن في جسم الإنسان ويسبب له المرض، فإذا مات فإن ذلك يعني أن الشيطان قد تغلب على المريض، ولا مجال حينئذ للبحث في مسئولية الطبيب، مع الأخذ في الاعتبار أن مزاولة الطب كانت قاصرة على الكاهن الذي يجمع بين السلطات الدينية والقضائية والقانونية.
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى أن السحر والشعوذة كان لهما دوراً كبيراً في ممارسة الطب في عصر الإغريق إلى أن جاء ابقراط الذي سُمي (أبو الطب) فعمل على تخليص الطب من الخرافات، ومحاولة النهوض به.
ويخلص الكاتب في هذا الفصل ليوضح أن الشرائع المختلفة تراوحت فيما بينها في مساءلة الطبيب عن أخطائه المهنية بين التشدد والمغالاة إلى حد قتل الطبيب الذي تسبب في وفاة مريضه إلى التيسير والتسامح الذي وصل إلى عدم مسائلة الطبيب في الأغلب الأعم من الأخطاء، وذلك بسبب طبيعة مهنة الطب التخمينية . هذا في الوقت الذي كان ينبغي فيه مراعاة حقوق كافة الأطراف عند مساءلة الطبيب عن أخطائه المهنية. فهناك مصلحة للطبيب بأن لا يحمل فوق طاقته، ومصلحة للمريض أو ورثته في أن يحصلوا على التعويض إذا وقع الضرر نتيجة خطأ الطبيب الواضح والجلي.
وهناك مصلحة الجماعة في أن يفسح المجال أمام البحث العلمي والممارسة المهنية دون خوف شديد من العقاب يحبسها عن الانطلاق والابتداع والاكتشاف والتطور.
أما بخصوص الجزء الثاني من هذا الفصل فيبين الكاتب أنه من المتفق عليه بين علماء الشريعة، أن دراسة الطب فرض من فروض الكفاية، فهي واجب على كل فرد لا تسقط عنه إلا إذا قام بها غيره وذلك باعتبار التطبيب ضرورة اجتماعية تحتاج إليه الجماعة.
ويؤكد أن الاسلام أولى مسألة الأخطاء الطبية اهتماماً ملحوظاً وأطر لها القواعد والأصول الواجب إتباعها، سلامة للمريض والطبيب معاً.. فضلاً عن ذلك؛ يمكن القول أن الفقهاء المحدثين في القانون قد توصلوا بعد طول الجدل والبحث إلى نفس الشروط التي قررها علماء الشريعة الإسلامية، كما أن غالبية التشريعات الوضعية الحديثة قد تضمنت هذه الشروط بصورة أو بأخرى.
وفي الفصل الرابع يناقش الكاتب التعريفات والتصنيفات المتعلقة بالأخطاء الطبية. فيتطرق إلى تعريف الخطأ في اللغة وفي الشرع وفي القانون. وينتقل للحديث عن أنواع الخطأ وهي نوعان، المهني والعادي، ومن ثم درجات الخطأ وهي الخطأ العمد وخطأ الاهمال. بعد ذلك يقوم الكاتب بذكر تعريف الخطأ الطبي ، حيث يأتي بجملة من التعريفات، نذكر منها:
• " انحراف الطبيب عن السلوك العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظة وتبصر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه" .
• " إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته وهو ما يسمى بـ " الالتزام التعاقدي" ، وعدم الالتزام بمراعاة الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يحميها المشرع".
وفق هذه التعريفات وسواها يتبين ( حسب الكاتب) أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر؛ هي:
1. عدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب.
2. الإخلال بواجبات الحيطة والحذر.
3. إغفال بذل العناية التي كانت باستطاعة الطبيب.
4. توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.
الفصل الخامس من الكتاب يتناول فيه المؤلف جملة واسعة من المعطيات حول الاخطاء الطبية عموماً ومن ثم التشريعات المندرجة في هذا الاطار. ففيما يتعلق بالمعطيات نذكر منها:
• تتفاوت معدلات الأخطاء الطبية بالعالم، والمعدل الحقيقي غير معروف في أغلب دوله وذلك بسبب القصور في الإبلاغ عن بعض الأخطاء الطبية من قبل العاملين بالقطاع الصحي أو من قبل المراجعين.
• الأخطاء الطبية ليست بالموضوع الجديد، ولكن لم يتم الاهتمام بها بشكلٍ جاد حتى عام 1990 وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تكفلت الحكومة الأمريكية بالتحقيق في قضية خطأ طبي.
• الأخطاء الطبية ليست ظاهرة محلية بل مشكلة عالمية تعاني منها جميع دول العالم بما فيها الدول التي تمتلك أنظمة صحية متطورة.
أما مسألة التشريعات فيذكر الكاتب انه لكي لا يُترك الأمر لتقديرات فقهية وقضائية لا يتفق في الأغلب الأعم بعضها مع بعض، خصوصا مع تعدد المحاكم وتوزعها على نطاق جغرافي واسع، كان لا بد من تدخل المشرع لكي يضع النص القانوني المنظم لهذه العلاقة ولا سيما عند وقوع مخالفة فنية من الطبيب في معالجته لمريضه، ولم تكن هذه المخالفة تنسجم مع السلوك المرعي في هذا الشأن من أصحاب المهنة في تعاملهم مع الحالات المماثلة. ويوضح :لقد توجهت الجهود التشريعية في العديد من الدول باتجاه إنصاف الطبيب والمريض معا، ولجأت إلى وضع تشريعات أو تعديل تشريعات قائمة بما يخدم هذا الهدف، فمثلا:
الفصل السادس خصصه المؤلف الفطافطة لمناقشة وتحليل أشكال وصور الخطأ الطبي الأكثر انتشاراً و حديثاً من قبل الجمهور. في هذا الشأن يتناول الكاتب تسعة أشكال هي : امتناع الطبيب عن معالجة المريض، رضاء المريض بالعلاج، الخطأ الطبي في التشخيص، الخطأ في وصف العلاج، إجراء العلاج بهدف غير الشفاء، أخطاء التخدير، أخطاء التوليد، أخطاء الأطباء أثناء جراحة التجميل، أخطاء الجراحة.
في الفصل السابع ، وهو أوسع الفصول في الكتاب يناقش ويحلل المؤلف قضية الأخطاء الطبية في فلسطين. يقول بداية : الحديث عن ظاهرة الأخطاء الطبية في الأراضي الفلسطينية أصبح أمراً واجباً وضرورة بحثية ملحة، لا سيما بعد تزايد الادعاءات والشكاوى بوقوع أخطاء طبية وتقصير بحق مرضى في المستشفيات الفلسطينية الخاصة منها والعامة . ويضيف: أخذت بعض وسائل الإعلام المحلية بتناول الموضوع ولكن على عجالة ودون الغوص في أعماق الظاهرة وتداعياتها، منوهاً إلى أن مثل هذه القضية يكثر الحديث عنها من كافة الأطراف ( وزارة الصحة، أطباء، مستشفيات، مجتمع ) دون أن يضع لها حلاً أو على الأقل معالجة العوامل التي تسببها وتساهم في زيادة نسبها وانتشارها وبالتالي مضاعفة أبعادها ومخاطرها .
يتطرق هذا الفصل إلى الاطراف أو الجهات التي لها علاقة بموضوعة الاخطاء الطبية، مبتدئاً بوزارة الصحة . فيذكر أنه رغم الاهتمام البسيط من قبل الوزارة بهذه المسألة إلا أن هناك عوامل عديدة تفتقر إليها الوزارة في متابعة ومعالجة هذه القضية، أهمها:
• افتقار الوزارة لأنظمة رقابية فعالة على الطواقم الطبية.
• وقوع العديد من الأخطاء بسبب ضعف في جاهزية المستشفيات.
• عدم وجود أنظمة رقابية فعالة على جودة المستحضرات الصيدلانية، مما يؤدي إلى تداول بعض الأدوية في السوق الفلسطيني دون استيفاء شروط الفحص الطبي.
• افتقار ردود الوزارة بخصوص قضايا الأخطاء الطبية إلى الاعتراف بالمسؤولية التقصيرية للوزارة.
• تشكل في كثير من الأحيان لجان التحقيق من نفس المستشفى الذي وقع فيه الخطأ الطبي، ولا يتم تشكيل لجان تحقيق مستقلة أو محايدة .
• تفتقر سجلات وزارة الصحة إلى إحصاءات دقيقة حول الأخطاء الطبية في مناطق السلطة .
إلى جانب الوزارة هناك نقابة الأطباء حيث يبين الكاتب أن نقابة الأطباء تعمل بموجب قانون الأطباء رقم 14 لسنة 1954 النافذ في الضفة الغربية، بالإضافة إلى قانون الأطباء الأردني رقم ( 13) لسنة 1972 م والمطبق من قبل نقابة الأطباء. القانونان يفرضان على الأطباء المحافظة على الأسس التي تقوم عليها النقابة ومهنة الطب. ويوجب القانون رقم 14 على النقابة مراقبة السلوك المهني للأطباء وتبيان العقوبة على الطبيب في حال ثبت مخالفته لأحكام القانون. هذه العقوبات تتمثل في التنبيه أو التأنيب أمام مجلس التأديب، أو الغرامة النقدية، أو المنع من مزاولة المهنة مؤقتا مدة لا تزيد عن سنة، أو شطب اسم الطبيب من سجل مزاولة المهنة.
أما الطب الشرعي فله أهمية كبرى في مجال الأخطاء الطبية كونه العنوان الأساسي والوحيد للتأكد من وجود الخطأ الطبي من عدمه، وهو أيضا المختص بتشريح حالات الوفاة سواء أكانت ناتجة عن خطأ طبي أم لا . كما ويظهر الدور الهام فيما أكدته النيابة العامة في أنها عند حدوث شك معين حول قضية معينة أو عند حدوث حالة وفاة معينة من المحتمل أن تكون ناتجة عن خطأ طبي يلجأ إلى الطب الشرعي لتبيان الحقيقة.
وللمحامين دور في مسألة الاخطاء الطبية حيث يعتبرالمحامون الجهة التي يلجأ إليها الأشخاص الذين يتكبدون أخطاء طبية، وهم الذين يتولون الدفاع عن حقوق هذه الفئات من المواطنين، وهذا الأمر يفرض عليهم التحلي بالمؤهلات الضرورية التي تمكنهم من المرافعة والدفاع عن حقوق هؤلاء المواطنين، كما أنهم يتولون أيضاً مهمة المطالبة بالتعويضات التي يستحقها الأفراد الذين كانوا ضحية أخطاء طبية، وهو ما يفرض عليهم أيضا التزامات متعددة.
وبخصوص دور النيابة العامة فيذكر الكاتب أن قانون أصول المحاكمات الجزائية الفلسطيني رقم ( 3) لسنة 2001 يفرض على النيابة العامة واجب متابعة الجرائم والتحقيق فيها، ومتابعة أي وفيات تحدث في ظروف غامضة يحتمل معها أن تكون الوفاة حدثت عن قصد، أو نتيجة إهمال يحاسب عليه القانون .
وكذلك الأمر فإن لمؤسسات حقوق الإنسان دور في متابعة الاخطاء الطبية باعتبارها إحدى المرجعيات التي يمكن عن طريقها معرفة المقياس الحقيقي لمدى حجم الأخطاء الطبية في الأراضي الفلسطينية، وذلك نظراً للدور التي تقوم به من متابعة لهذه الأمور ليس فقط فيما يتعلق بهذه الأخطاء وإنما فيما يتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام، وذلك عن طريق آليات متعددة، فقد تتمثل إحداها في رصد الانتهاكات التي من الممكن أن تحصل في مجال الأخطاء الطبية ، أو عن طريق الشكاوى التي تتلقاها هذه المؤسسات عن وجود أخطاء طبية.
ولم يسقط الكاتب الحديث عن القضاء العشائري في الموضوع، حيث يبين أن هذا القضاء لا علاقة له بقضايا الأخطاء الطبية، انطلاقاً من مبدأ عدم التدخل في اختصاصات القانون وصلاحياته.
وبعد أن ينهي حديثه عن هذه الجهات ينتقل الكاتب لتناول مسألة القانون والأخطاء الطبية؛ فيبين أنه ليس هناك نظام قانوني مستقل خاص بالأخطاء الطبية في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يقم المجلس التشريعي الفلسطيني باستحداث أية أحكام جديدة بالخصوص منذ قيامه عام 1996، وإنما يطبق على الأخطاء الطبية ذات الأحكام العامة المنصوص عليها في القوانين النافذة، ولا سيما الأحكام القانونية الواردة بشأن المسؤولية الجزائية في حال الإهمال والتقصير، وكذلك الأحكام المتعلقة بالمسؤولية المدنية التقصيرية في قانون المخالفات المدنية لعام 1944.
وفي الفصل الثامن يتطرق المؤلف الى نتائج الاستطلاع العشوائي الذي اعده ويشتمل على 70 فرداً يتوزعون على مهن ووظائف مختلفة.. الاستطلاع تضمن ستة أسئلة . السؤال الاول نصه :ما هو الوصف المناسب لوجود الأخطاء الطبية في فلسطين؟ فكانت الاجابة : الحالة ( 19) و الظاهرة ( 39) والوباء (12). أما السؤال الثاني : هل تعرضت/ي لخطأ طبي؟ فأجاب20 مستطلعاً بنعم فيما أجاب 50 بـلا . أما السؤال الثالث: هل تعرف/ي أو سمعت/ي عن تعرض قريب أو شخصٍ ما لخطأ طبي؟ فكانت الاجابة أن افاد 55 بنعم، فيما أفاد 15 بلا. السؤال الرابع نصه: باعتقادك/ي ما هي المستشفيات التي تحدث فيها أخطاء طبية أكثر؟ فأجاب 46 فرداً بأن المستشفيات الحكومية هي الأكثر من حيث حدوث الأخطاء الطبية فيها، بينما رأى أربعة أفراد بأن المستشفيات الخاصة هي الأكثر. وبخصوص العدد المتبقي وهو 20 فرداً فإنهم أعطوا نسبة متعادلة لكلا المستشفيين.
وبخصوص السؤال الخامس وهو: من المسؤول عن الخطأ الطبي ؟ فقد توزعت الاجابات على النحو التالي: الطبيب ( 32) الوزارة (5) المريض (2) القضاء ( 7) الطبيب والوزارة معاً ( 9) الطبيب والقضاء ( 2) الطبيب والمريض (1) الجميع ( 12).
السؤال السادس تضمن الطلب من المستطلعين بوضع مقترحات تساهم في مواجهة هذه الاخطاء. نجم عن هذا السؤال 28 مقترحاً أبرزها: تخريج أطباء أكفاء والعمل على تدريبهم بشكلٍ مكثف ونوعي قبل الخدمة، التوظيف على أساس الكفاءة والخبرة لا العلاقة والثقة، أهمية توافر الوازع الديني لدى الطبيب، وجوب تقديم الشكاوى من قبل المرضى والمتضررين، العمل على متابعة شكاوى المريض والمواطنين، نقل مطالبة المتضرر بإثبات الخطأ الطبي إلى ساحة الطبيب، الالتزام بالشفافية في إجراء امتحانات مزاولة المهنة، زيادة الكوادر الطبية، خاصة في المستشفيات الحكومية، توفير الإمكانيات والأدوات والأجهزة الطبية المتطورة، مساهمة الإعلام بشكلٍ فعال في التعريف بأهمية العمل الطبي وتبصير المواطنين بأهمية العلاقة والثقة المتبادلة الواجب أن تتم بين الطبيب والمريض.
في الفصل التاسع تطرق الباحث الفطافطة إلى الحلول الكفيلة للحد من الاخطاء الطبية. هنا نذكر عدد من هذه الحلول التي وضعتها الدول والمؤسسات الطبية أهمها:
• أن بعض الدول المتقدمة، مثل بريطانيا لجأت إلى نظام الروشيتة الالكترونية واستخدام الانترنت في شراء وصرف الدواء، وذلك من أجل الحد من الأخطاء الطبية التي تقع بسبب الأدوية.
• نظام البطاقة الطبية الذكية (Medical Smart Card)، الذي يتوافق مع المعايير العالمية للمعلومات الطبية الإلكترونية، ويمكن تحديث هذه البطاقة أو قراءتها من أي برنامج أو نظام طبي يتوافق مع هذه المعايير.
• يوجد حاليا مبادرات عالمية لزيادة مستوى الوعي المعلوماتي في قطاعات الخدمات الطبية.
• يوجد إنفاق عالمي متزايد للاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات، في نظم وخدمات الرعاية الطبية.
إلى جانب ذلك يبين الكاتب أن بعض الدول تتجه إلى إتباع إجراءات عدة في الحد من هذه الاخطاء مثل:
• إعداد قائمة تدقيق الإجراءات.
• نظام التسوية الودية في قضايا الأخطاء الطبية في التجربة الدولية.
• توثيق قضايا الأخطاء الطبية ودراستها.
• التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية.
الفصل العاشر والأخير فقد خصصه المؤلف لسرد قصص وحالات يقول أصحابها أو ذويها أنها نجمت عن أخطاءٍ طبية، حدثت في مستشفيات عامة أو خاصة بفلسطين. هذه الحالات التي عددها 42 حالة هي ( وفق الكاتب) جزء يسير جداً من حالات الخطأ الطبي التي يتردد الحديث عنها باستمرار في المجتمع الفلسطيني. وقد توخى الكاتب في سرده لهذه القصص التوزيع الجغرافي من الضفة والقطاع، إلى جانب التنويع في الحالات..
يبقى أن نتطرق إلى النتائج والتوصيات التي خُتمت بها الدراسة. فدراسة الفطافطة خرجت بجملة واسعة من النتائج نذكر هنا أهمها:
• إن الأخطاء الطبية ظاهرة عالمية وليست ظاهرة محلية فحسب، غير أن طرق التعامل معها يختلف من دولة إلى أخرى على كافة المستويات الإدارية والقضائية والتشريعية.
• إن طبيعة المسؤولية المترتبة على الطبيب العامل في مستشفى عام تختلف عن مسؤولية الطبيب العامل في مستشفى خاص في بعض الجوانب.
• إن أهم المعيقات التي تواجه المرضى في حالة وقوع أخطاء طبية هي مسألة إثبات الخطأ الطبي في حق مرتكبه، خاصة وأن من يدعون من الخبراء للشهادة في قضايا الأخطاء الطبية هم أطباء ومن الصعب أن يدينوا زملاءهم في المهنة.
• الدولة العربية الوحيدة التي يوجد بها قانون للمسؤولية الطبية هي ليبيا، وهنالك مشروع قانون للمسؤولية الطبية قيد الدراسة في الأردن.
• أن معظم القوانين العربية لا تتضمن نصوصاً خاصة بموضوع المسؤولية الطبية، ولا يوجد في فلسطين والأردن إلا قرارات قليلة جدًا صادرة عن المحاكم بهذا الخصوص.
• تتجه لا يوجد في النظام القانوني الفلسطيني أية أحكام قانونية تلزم أصحاب المهن الصحية أو المؤسسات الصحية بالتأمين ضد الأخطاء أو الحوادث الصحية التي قد تقع منهم.
• ليس هناك أرقام إحصائية دقيقة عن حجم الأخطاء الطبية التي تقع في قطاع الصحة الفلسطيني الخاص أو العام، وإنما توجد بعض الأرقام المتناثرة هنا وهناك.
• ليس هناك معلومات واضحة عن توزيع قضايا الأخطاء الطبية بين القطاع الصحي الخاص والقطاع الصحي العام.
• لا يوجد لدى الجهات الصحية الخاصة والعامة نظام متكامل لتوثيق قضايا الأخطاء الطبية، ودراستها، ومن ثم التوصية بالإجراءات التي يتوجب اتخاذها على كافة المستويات الإدارية والتشريعية والقضائية.
• لا يوجد لدى نقابة الأطباء أو لدى وزارة الصحة لجان طبية دائمة للتحقيق في الحوادث الطبية التي تقع في المؤسسات الصحية.
أما بشأن التوصيات فقسمها المؤلف الى إطارين ونذكر ابرزها:
أ. الإطار العام
• لا بد من تحديد الإطار الحقوقي الذي يجب من خلاله النظر إلى مسألة الأخطاء الطبية والالتزام بـ وحماية حقوق الإنسان بوجه عام، والحق في الحياة والسلامة الجسدية.
• على الأطباء والمعالجين عموماً تقوى الله في كل عمل يقومون به، وأن يرجحوا مصلحة المريض على النفع المادي.
• تأصيل مفهوم الطب الـمُسْنَد بالبيّنات كدليل موثق لمحاسبة الأطباء على الأخطاء الطبية.
• تشكيل لجان طب شرعية من أطباء وفقهاء وقانونيين في جميع مناطق العالم الإسلامي تكون مهمتها إبداء الرأي الشرعي في كل مسألة طبية طارئة، وتحديد نوع الخطأ الطبي، ومدى مسؤولية الطبيب عنه، مع تقرير العقوبة المناسبة وتطبيقها في حال الإدانة.
• تضمين التشريعات نصوصا تنقل عبء الإثبات في الخطأ الطبي من المريض إلى الأطباء.
• تضمين التشريعات نصوصا قانونية تفرض على الأطباء والمستشفيات التأمين ضد الأخطاء الطبية.
• تضمين التشريعات ما يلزم بتشكيل مركز يتولى مهمة التحقيق في شكاوى الأخطاء الطبية وبيان سبب الخطأ وتأهيل الأطباء مرتكبي الأخطاء للتخفيف منها، وتوثيق هذه الحالات.
• إجراء امتحانات كفاءة للأطباء بشكل دوري وكل فترة من الزمن خاصة في سنوات العمل الأولى، لما لذلك من اثر في التخفيف من وقوع الأخطاء الطبية.
• توثيق كافة قضايا الأخطاء الطبية وإجراء الدراسات عليها بما يساعد في التخفيف من الأخطاء بعد الوقوف على سببها، خاصة وأن بعضها متكرر وعائد إلى إهمال جسيم قد يصل إلى مرحلة القصد.
ب. الإطار الخاص ( الحالة الفلسطينية)
• الإسراع في المصادقة على مشروع القانون المدني الفلسطيني بعد إجراء التعديلات المناسبة عليه مع سن تشريعات حديثة تنظم الجوانب المختلفة لعمل المهن الطبية والصحية مع استبدال التشريعات الحالية النافذة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
• اللجوء إلى نظام التأمين من قبل الأطباء كحل وطريق يخفف من مشكلة الأخطاء الطبية الصادرة من الأطباء.
• ضرورة العمل على استحداث نظام قانوني خاص بالتسوية الودية للنزاعات الناشئة عن الحوادث الطبية قبل الذهاب للقضاء، وذلك لتجاوز ما قد يترتب على اللجوء للقضاء من جهد ووقت ومال.
• ضرورة التوعية من اجل التمييز بين المضاعفات الطبية التي تنتج عن أي تدخل علاجي وبين التقصير أو الإهمال لدى تقديم العلاج.
• ضرورة استحداث نظام الوصفة الطبية الإلكترونية التي تُكتَب عند الطبيب وتُحوّل إلكترونيا إلى الصيدلي، ما يساهم في تخفيض عدد الأخطاء الطبية المرتبطة بالوصفة الطبية.
• ضرورة أن يقوم الإعلام الرسمي والخاص بالاهتمام بمسألة الأخطاء الطبية، على أن يكون الإعلامي منصفاً في التناول وعادلاً في التعاطي، ومحدداً لتفاصيل القضايا ومساراتها.
قراءة نقدية
بعد أن قمنا بعرض أبرز ما جاء في كتاب الفطافطة لا بد لنا من تسجيل جملة من النقاط التالية:
1. القضية التي تناولها الكتاب (الأخطاءُ الطبيّة فِي فلسطِين... جرائمُ بِلا أدلّة ) تعتبر الدراسة الاولى من نوعها في فلسطين من حيث المضمون والحجم.. فالمضمون احتوى على قصص ووثائق وتقارير وتحقيقات تنشر لأول مرة، في حين الحجم امتد على صفحات طويلة ليتسنى للباحث الخوض سرداً وتحليلاً واستشرافاً في المحاور والنقاط التي تطرق لها في كتابه..
2. امتاز النص بجزالة اللفظ وقوة الاسلوب ومتانة السياق وموضوعية الطرح وسلامة اللغة والعبارة ونصاعة الفكرة وشفافية التحليل ودقة الاستشراف ..
3. نجح الكاتب في التوازن بين شمولية التناول وعدالة الكتابة عن القضية المبحوثة رغم الغموض والحساسية التي تكتنفها. كما استطاع الكاتب تفكيك الالتباس الذي حاط بالأخطاء الطبية في فلسطين حيناً وتفجير زوايا فيها عبر إضاءة ظلال النص أحياناً.
4. استطاعت الدراسة ـ إلى حدٍ مقبول ـ بلورة ( خريطة ) أو تصور نظري لطبيعة وأبعاد العلاقة بين مثلث الاطراف التي لها صلة بالأخطاء الطبية وهي الضحية والطبيب أو الممرض، إلى جانب الإدارات الطبية. هذه " الخريطة" تتيح ولو بصورة يسيرة تحديد اسس العلاقة بين هذه الاطراف خدمة لصحة المرضى والحفاظ على حياتهم وحقوقهم.
5. لم تكتف الدراسة بالبعد النظري كالرجوع إلى الادبيات فقط، بل تعمق الكاتب في بنية القضية وتحليلها واستشراف أبعادها من خلال الأدوات البحثية التي استخدمها خاصة المقابلات المباشرة واستطلاع الرأي الذي أعده. اتباع هذه الأدوات البحثية جعلها دراسة قريبة الى الدقة ومعطيات الواقع ..
6. استطاع الكاتب أن يوازن بين تخصصية المعلومة وشعبيتها الأمر الذي يمكن الاعتماد عليه كمرجع للمتخصصين والقراء عموماً..
7. اعتماد الدراسة على حزمة مهمة وموثوقة من المصادر والمراجع العلمية في عدة حقول معرفية، لا سيما في حقلي الطب والقانون . هذا الاعتماد المتنوع تم مضاعفة قيمة الدراسة واثرائها مضموناً ودقة.
8. على الرغم من كل ما اتسمت به الدراسة من ايجابيات إلا إنه لازمها بعض السلبيات .. هذه السلبيات يمكن اجمالها في الآتي:محدودية القضايا المطروحة للنقاش وإن اسعف ذلك بتوسيع التحليل لها. هذا النقص يمكن تبريره إذا علمنا أن قضايا الاخطاء الطبية واسعة وشائكة ومتجددة وتحتاج إلى بضعة مؤلفات للإحاطة بقضايا . كذلك؛ فإن الدراسة لم تتمكن من تعبئة بعض النواقص خاصة المتعلقة بالقصص لفقدان الجرأة لدى البعض في كشف تفاصيل هذا الخطأ أو ذاك. كما أن الاشاعة في مسألة الاخطاء الطبية تهيمن على الحقيقة والمصداقية فيها وهذا ما أربك الباحث أحياناً ليحاول " فلترة " كثير من القصص والحالات ليرفض كثير منها رغم سقوطه " ربما" في شباك مثل هذه الاشاعات.
فضلاً عن كل ذلك؛ فقد شاب الدراسة نقيصة عدم اعتمادها على مصادر أو مراجع باللغة الانجليزية .. هذا النقص ربما يكون مستساغاً أثناء تناوله الاخطاء الطبية في فلسطين لغياب أدبيات باللغة الإنجليزية لكن عدم وجود مثل هذه المراجع في الفصول العامة كالحديث عن الاخطاء الطبية عبر التاريخ والقوانين والمعطيات والتصنيفات لا يبرر للكاتب ذلك.
علاوة على ذلك؛ فإن محدودية التقارير والوثائق المرفقة بالدراسة ليست بالمطلوب وإن كانت تسعف الحالة الدراسية عموماً.. هذا النقص له ما يبرره لا سيما إذا علمنا أن أعقد ما تواجهه هذه الاخطاء هو اثباتها بشكل تقريري مكتوب.. فنادراً ما تجد تقرير طبي أو وثيقة تؤكد على أن هذه الحالة ناجمة عن خطأ طبي أو هي مجرد مضاعفات طبيعية للحالة المرضية. .
غير مبرر بخصوص الجزء الأول من العنوان وهو حرية الرأي والتعبير بينما قد يكون مستساغاً في الشطر الثاني منه إذا ما اعتبرنا أن طرح قضية هذه الحرية وصلتها مع الفيسبوك في فلسطين لم تكن قائمة وفق اطار البحث العلمي الأكاديمي الرصين.
يضاف إلى تلك السلبيات محدودية عينة المجموعات الفلسطينية على صفحة الفيسبوك التي تم تحليلها .. رغم هذه الاشكالية إلا أن الدراسة هدفها اثراء الاطار النظري والمعلوماتي أكثر من الخوض في هذه المجموعات التي تحتاج إلى مسح واسع يمتد لأشهر عديدة بغية الوقوف على حقيقة مضمون ووظيفة وأبعاد هذه الصفحات الالكترونية..
مجمل القول: إنّ مجرد تناول هذه الموضوع وطرق أبوابه التي أغلقها صدأ الصمت، والقدريّة، وانعدام الثقة بالنفس أو بالقانون، والجهل المتراكم عبر قرون، يُعدُّ إنجازاً بحدّ ذاته.إنني أعتقد أن هذه الدراسة القيّمة ستنقذ أرواحاً كثيرة بنشرها، فالكثيرون سيرون من خلالها حقائق كانت غائبة أو مغيَّبة، والكثيرون سيعرفون أنّ " قتل" الإنسان أو التسبب بإعاقته ليس قَدَراً في كل الأحوال، وكثيرون سيعلمون أن الصمت ليس الحل الوحيد؛ بل هو مشاركة في التستّر على الجرائم والأخطاء، وكما أنّ كل إنسان مسئول عن عمله، فإن المسئولية الطبية ـ في غالب الأحيان ـ لن تظل بعد نشر هذا الكتاب في ذيل أولويات المواطن وصانع القرار.
نثمن الباحث الفطافطةعلى هذا الجهد البحثي الرائع، مع أملنا في أن يُعطي الباحثون الفلسطينيون قضية الأخطاء الطبية اهتماماً واسعاً ومتواصلاً، حتى نصل بها إلى درجة عليا من المتابعة والمعالجة، وصولاً للحد منها إن لم يكن الامر متاحاً للتخلص من مآسيها وفجاعها...
الباحث الفطافطة استطاع ومن خلال معرفته الموسوعية ومهارته البحثية أن يقتحم هذا الحقل دون أن يُصاب بألغام الوثائق المدلسة أو القصص المختلقة أو الدعاوى المتكئة على رماد الإشاعة. الفطافطة طرق دروب هذا البحث انطلاقاً من منهجية مدروسة، وموضوعية مسؤولة. أراد من خلال هذا الكتاب أن يصدح بنداء التشخيص الشامل والعلاج العلمي لمثل هذه الأخطاء دون أن يقذف التهم هنا أوهناك . حيث يقول: الطبيبُ والمريض كلاهما منّا ولنا، فالأول سمعتُه ومكانته يجب أن نحافظ عليها، بينما سلامة الثاني تتطلب العناية بها.
الكتاب الذي بين أيدينا لم يكن الهدف منه سرد أو تسجيل سلسلة طويلة من قصص الأخطاء الطبية الأليمة بقدر البحث عن آليات مناسبة للحد منها . فالأخطاءَ الطبيةُ ( كما يؤكد الفطافطة ) حقيقةٌ واقعة، والمهمة الأساسية المطروحة أمام أي جهة فلسطينية ذات علاقة بالموضوع ليست منع وقوع هذه الأخطاء، لأنّ هذا مستحيل؛ بل العمل على خفض نسبة وقوعها من خلال علاج الأسباب التي تؤدي لحدوثها، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بعد وقوع أي خطأ طبي، بما يشمل معاقبة المتسبب إذا كان الخطأ ناجماً عن إهمال طبيّ وتعويض المتضرر.
ومنذ البداية يعترف الكاتب بصعوبة المهمة التي تصدى لها فيقول : رغم محاولتنا في هذا الكتاب أن نحقق شمولية التناول، والإنصاف في الحُكم إلا أن اليقين سيلازمنا دوماً بأن مثل هذه القضية (الأخطاء الطبية) ستظل تحمل في جوفها الكثير من الجدل الحاد، والنقاش المثير حول المفهوم والأسباب والمعالجة.
وقبل أن ندلف للحديث عن فصول هذا الكتاب ارتأينا اقتطاف مختارات من كلمة التقديم التي وضعها المخرج والصحافي زهير اطميزة.. هدف الركون إلى التقديم مرده اسعاف قنديل التحليل بإشعاع قوي لمسناه في مجمل نص اطميزة . يقول :" في الحياة دائماً ما نقول: إنّ "الغلط مردود"، والغلط هنا يعني الخطأ، وكلمة مردود تعني أنّه يمكن تدارك هذا الخطأ وتصحيحه، وهذا ممكن في كثير من الأحيان والمجالات، لكن في الطب، الأمر مختلف تماماً، فالخطأ قد يؤدي إلى فقدان أحد الأعضاء، أو إلى الإعاقة، وأحياناً كثيرة إلى الموت، وما يترتب على ذلك من معاناة للضحايا وذويهم، ففي كل الحالات يكون "الغلط غير مردود"؛ بل يرقى أحياناً إلى درجة القتل (غير العمد طبعاً)، وليس القتل هنا تعبيراً مجازياً؛ بل حرفياً بكل ما للكلمة من معنى، لكن هذا لا يعني نعت الطبيب بالقاتل، فالنيّة في القتل لا تتوفر هنا، فما بالنا إذا أُضيف إليها الإهمال، والتقصير، واللامبالاة، والعزّة بالإثم، والمكابرة، وضعف المعرفة أو/ والإمكانيات.
ويضيف:" كل ذلك مجتمعاً يحصل في مستشفياتنا ومراكزنا الطبية وفي عيادات أطبائنا، ومثله أو بعض منه قد يحصل في بعض الدول، حتى المتقدمة منها، لكن دائماً وفي كل الدول تقريباً هناك اعتراف بالخطأ، الأمر الذي يُتيح التعلم منه وتلافيه مستقبلاً، وهناك قوانين تحمي حقوق الأطراف جميعها، هناك تأمين ضد الأخطاء الطبية يعوِّض الضحايا، ويدفع ثمن أخطاء الأطباء، وهناك محاكمات منصِفة للمخطئ وللضحية، تعطي كل ذي حقّ حقه، أما في فلسطين فلا توجد قوانين ولا تأمين يحمي ضحايا الأخطاء الطبية في القطاع الحكومي، هذا رغم الوعود المتكررة من قبل الحكومة ووزير الصحة السابق الدكتور فتحي أبو مغلي شخصياً بالعمل على إيجاده، وفي أفضل الحالات يتم التضحية بالطبيب لصالح المؤسسة، فيصبح لدينا ضحيتان / مشكلتان بدل من ضحية واحدة، أو مشكلة واحدة.
أما عن القانون ( والكلام لاطميزة) فحدّث دونما حرج، فنحن نحتكم لقانون العقوبات الأردني لعام 1960م، والذي ما زال ينصّ على غرامة مقدارها خمسة دنانير أو عشرة. هنا يتساءل اطميزة: هل حقاً لم تؤثر فينا اثنتان وخمسون سنة من التطور العلمي والفقهي والقانوني؟!!.
وفي معرض حديثه عن الكتاب يؤكد اطميزة " أن هذه الدراسة القيّمة ستنقذ أرواحاً كثيرة بنشرها، فالكثيرون سيرون من خلالها حقائق كانت غائبة أو مغيَّبة، والكثيرون سيعرفون أنّ " قتل" الإنسان أو التسبب بإعاقته ليس قَدَراً في كل الأحوال، وكثيرون سيعلمون أن الصمت ليس الحل الوحيد؛ بل هو مشاركة في التستّر على الجرائم والأخطاء، وكما أنّ كل إنسان مسئول عن عمله، فإن المسئولية الطبية ـ في غالب الأحيان ـ لن تظل بعد نشر هذا الكتاب في ذيل أولويات المواطن وصانع القرار".
وقبل الخوض في تلخيص محاور وموضوعات الكتاب نود ذكرها وهي : مسرد مفاهيمي، دراسات سابقة، الخطأ الطبي عبر التاريخ، الخطأ الطبي: تعريفات وتصنيفات، معطيات وتشريعات، صور وأشكال الخطأ الطبي، الأخطاء الطبية في فلسطين، الاستطلاع: نتائج وتحليل، حلول، قصص وحالات، الى جانب الملاحق التي تضمنت قوانين للأخطاء الطبية في بلدان عربية وأجنبية، علاوة على الصور والتقارير المتعلقة بأخطاء طبية، فضلاً عن النتائج والتوصيات وقائمة المراجع.
وفي صورة أولية وعامة يقدم لنا الكتاب المساهمات التالية:
• إعطاء صورة عامة عن تاريخ الأخطاء الطبية لدى الأديان والأقوام عبر التاريخ، بدءاً من عصر الفراعنة، مروراً بالرومان، وصولاً إلى العهد الإسلامي الأول وما تبعه من عصورٍ وأزمان.
• الاطلاع على أهم الأدبيات والمؤلفات التي تطرقت إلى المسؤولية الطبية بصورةٍ عامة، والأخطاء الطبية على وجه الخصوص.
• الوقوف على حقيقة قضية الأخطاء الطبية في فلسطين وتفاصيلها وفق منهجية بحثية موضوعية متوازنة، بعيداً عن إدانة الطبيب مقابل نصرة المريض، أو بالعكس.
• تسليط الضوء على الأخطاء الطبية خاصة في ظل تهميشها ببُعديها البحثي ـ المعرفي، والمؤسساتي ( الرسمي والخاص).
• التعرف على التشريعات والقوانين، سواء المحلية أو العربية أو الدولية المتعلقة بهذه القضية.
• سرد مجموعة كبيرة من القصص التي يعتقد أصحابها أنها وقعت ضحية لخطأ طبي، مع التأكيد هنا أن بعض هذه القصص قد لا يكون لها صلة بالخطأ الطبي؛ بل جاء ذكرها بسبب ما يتوافر فيها من معايير ترُجح وقوع هذا الخطأ.
• محاولة إيجاد آليات وأساليب متبعة في العالم لمواجهة الأخطاء الطبية، والتعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً يستوجب البحث والمتابعة والحل..
• إثراء المكتبة الفلسطينية والعربية بكتابٍ قد يمثل مرجعاً أساسياً حول هذه الموضوع الهام بموضوعه والمعقد بتفاصيلة.
يخصص الكاتب الفصل الأول لسرد المفاهيم المتعلقة بالأخطاء الطبية؛ حيث يذكر 37 مصطلحاً منطلقاً من ذكر تعريف المرض مروراً بالصحة العامة والتشخيص الطبي والضرر وأنواعه والخطأ وأشكاله والإهمال وأصنافه والإجهاض والتعقيم والقتل الرحيم وصولاً الى التعريف بالبطاقة الطبية الذكية باعتبارها نموذجاً مناسبا للتقليل من مخاطر هذه الاخطاء.
أما الفصل الثاني فيتناول الكاتب فيه عدد من المؤلفات والدراسات ورسائل الماجستير والتحقيقات والتقارير والمقالات التي تناقش الأخطاء الطبية على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني.. يقول المؤلف في هذا الخصوص " في الوقت الذي نجد كثير من الدراسات تتناول قضية الأخطاء الطبية على مستوى العالم فإننا لم نعثر إلا على القليل من ذلك في الحالة الفلسطينية" . ويضيف " رغم أن هذه الدراسات تركز على الجانب النظري لهذه المسألة إلا أن التعامل معها وفق حقيقة وجودها وازدياد حالاتها وتنوع أشكالها وآليات مواجهتها ما زال يترنح في رحى التباطؤ وتكلس البيروقراطية وغموض الصلاحيات وإقفال باب الحقوق من منطلق رمي الأخطاء في وعاء القدر ".
ويرى المؤلف أنه بعد استعراض الأدبيات والدراسات السابقة يمكن الخروج بعددٍ من الملاحظات، أهمها:
• أن المؤلفات نادرة وأغلبها تتناول الجانب القانوني أو القانوني المقارن لهذه المسألة.
• معظم المؤلفات التي تتطرق إلى الأخطاء الطبية تركز على المسؤولية التقصيرية والتأديبية ( المسلكية) لمثل هذه الأخطاء.
• الأدبيات التي تتطرق إلى القصص والحالات المتعلقة بالأخطاء الطبية قليلة جداً.
• كثير من الدراسات تغرق في تفاصيل المسؤولية الطبية والمهنية دون إعطاء مساحة مطلوبة لآليات المعالجة والمواجهة.
أما الفصل الثالث فيقسمه المؤلف الفطافطة إلى جزئين، الأول يتناول فيه تاريخ الاخطاء الطبية في العصور القديمة، بينما الثاني فيتطرق فيه إلى رؤية الاسلام لهذه الأخطاء.. بالنسبة للجزء الأول يبين الكاتب أن الطب يعتبر من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان؛ بحيث نشأ في عصور ما قبل التاريخ ممتزجاً بالخرافات والسحر، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن الشيطان يكمن في جسم الإنسان ويسبب له المرض، فإذا مات فإن ذلك يعني أن الشيطان قد تغلب على المريض، ولا مجال حينئذ للبحث في مسئولية الطبيب، مع الأخذ في الاعتبار أن مزاولة الطب كانت قاصرة على الكاهن الذي يجمع بين السلطات الدينية والقضائية والقانونية.
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى أن السحر والشعوذة كان لهما دوراً كبيراً في ممارسة الطب في عصر الإغريق إلى أن جاء ابقراط الذي سُمي (أبو الطب) فعمل على تخليص الطب من الخرافات، ومحاولة النهوض به.
ويخلص الكاتب في هذا الفصل ليوضح أن الشرائع المختلفة تراوحت فيما بينها في مساءلة الطبيب عن أخطائه المهنية بين التشدد والمغالاة إلى حد قتل الطبيب الذي تسبب في وفاة مريضه إلى التيسير والتسامح الذي وصل إلى عدم مسائلة الطبيب في الأغلب الأعم من الأخطاء، وذلك بسبب طبيعة مهنة الطب التخمينية . هذا في الوقت الذي كان ينبغي فيه مراعاة حقوق كافة الأطراف عند مساءلة الطبيب عن أخطائه المهنية. فهناك مصلحة للطبيب بأن لا يحمل فوق طاقته، ومصلحة للمريض أو ورثته في أن يحصلوا على التعويض إذا وقع الضرر نتيجة خطأ الطبيب الواضح والجلي.
وهناك مصلحة الجماعة في أن يفسح المجال أمام البحث العلمي والممارسة المهنية دون خوف شديد من العقاب يحبسها عن الانطلاق والابتداع والاكتشاف والتطور.
أما بخصوص الجزء الثاني من هذا الفصل فيبين الكاتب أنه من المتفق عليه بين علماء الشريعة، أن دراسة الطب فرض من فروض الكفاية، فهي واجب على كل فرد لا تسقط عنه إلا إذا قام بها غيره وذلك باعتبار التطبيب ضرورة اجتماعية تحتاج إليه الجماعة.
ويؤكد أن الاسلام أولى مسألة الأخطاء الطبية اهتماماً ملحوظاً وأطر لها القواعد والأصول الواجب إتباعها، سلامة للمريض والطبيب معاً.. فضلاً عن ذلك؛ يمكن القول أن الفقهاء المحدثين في القانون قد توصلوا بعد طول الجدل والبحث إلى نفس الشروط التي قررها علماء الشريعة الإسلامية، كما أن غالبية التشريعات الوضعية الحديثة قد تضمنت هذه الشروط بصورة أو بأخرى.
وفي الفصل الرابع يناقش الكاتب التعريفات والتصنيفات المتعلقة بالأخطاء الطبية. فيتطرق إلى تعريف الخطأ في اللغة وفي الشرع وفي القانون. وينتقل للحديث عن أنواع الخطأ وهي نوعان، المهني والعادي، ومن ثم درجات الخطأ وهي الخطأ العمد وخطأ الاهمال. بعد ذلك يقوم الكاتب بذكر تعريف الخطأ الطبي ، حيث يأتي بجملة من التعريفات، نذكر منها:
• " انحراف الطبيب عن السلوك العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظة وتبصر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه" .
• " إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته وهو ما يسمى بـ " الالتزام التعاقدي" ، وعدم الالتزام بمراعاة الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يحميها المشرع".
وفق هذه التعريفات وسواها يتبين ( حسب الكاتب) أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر؛ هي:
1. عدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب.
2. الإخلال بواجبات الحيطة والحذر.
3. إغفال بذل العناية التي كانت باستطاعة الطبيب.
4. توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.
الفصل الخامس من الكتاب يتناول فيه المؤلف جملة واسعة من المعطيات حول الاخطاء الطبية عموماً ومن ثم التشريعات المندرجة في هذا الاطار. ففيما يتعلق بالمعطيات نذكر منها:
• تتفاوت معدلات الأخطاء الطبية بالعالم، والمعدل الحقيقي غير معروف في أغلب دوله وذلك بسبب القصور في الإبلاغ عن بعض الأخطاء الطبية من قبل العاملين بالقطاع الصحي أو من قبل المراجعين.
• الأخطاء الطبية ليست بالموضوع الجديد، ولكن لم يتم الاهتمام بها بشكلٍ جاد حتى عام 1990 وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تكفلت الحكومة الأمريكية بالتحقيق في قضية خطأ طبي.
• الأخطاء الطبية ليست ظاهرة محلية بل مشكلة عالمية تعاني منها جميع دول العالم بما فيها الدول التي تمتلك أنظمة صحية متطورة.
أما مسألة التشريعات فيذكر الكاتب انه لكي لا يُترك الأمر لتقديرات فقهية وقضائية لا يتفق في الأغلب الأعم بعضها مع بعض، خصوصا مع تعدد المحاكم وتوزعها على نطاق جغرافي واسع، كان لا بد من تدخل المشرع لكي يضع النص القانوني المنظم لهذه العلاقة ولا سيما عند وقوع مخالفة فنية من الطبيب في معالجته لمريضه، ولم تكن هذه المخالفة تنسجم مع السلوك المرعي في هذا الشأن من أصحاب المهنة في تعاملهم مع الحالات المماثلة. ويوضح :لقد توجهت الجهود التشريعية في العديد من الدول باتجاه إنصاف الطبيب والمريض معا، ولجأت إلى وضع تشريعات أو تعديل تشريعات قائمة بما يخدم هذا الهدف، فمثلا:
الفصل السادس خصصه المؤلف الفطافطة لمناقشة وتحليل أشكال وصور الخطأ الطبي الأكثر انتشاراً و حديثاً من قبل الجمهور. في هذا الشأن يتناول الكاتب تسعة أشكال هي : امتناع الطبيب عن معالجة المريض، رضاء المريض بالعلاج، الخطأ الطبي في التشخيص، الخطأ في وصف العلاج، إجراء العلاج بهدف غير الشفاء، أخطاء التخدير، أخطاء التوليد، أخطاء الأطباء أثناء جراحة التجميل، أخطاء الجراحة.
في الفصل السابع ، وهو أوسع الفصول في الكتاب يناقش ويحلل المؤلف قضية الأخطاء الطبية في فلسطين. يقول بداية : الحديث عن ظاهرة الأخطاء الطبية في الأراضي الفلسطينية أصبح أمراً واجباً وضرورة بحثية ملحة، لا سيما بعد تزايد الادعاءات والشكاوى بوقوع أخطاء طبية وتقصير بحق مرضى في المستشفيات الفلسطينية الخاصة منها والعامة . ويضيف: أخذت بعض وسائل الإعلام المحلية بتناول الموضوع ولكن على عجالة ودون الغوص في أعماق الظاهرة وتداعياتها، منوهاً إلى أن مثل هذه القضية يكثر الحديث عنها من كافة الأطراف ( وزارة الصحة، أطباء، مستشفيات، مجتمع ) دون أن يضع لها حلاً أو على الأقل معالجة العوامل التي تسببها وتساهم في زيادة نسبها وانتشارها وبالتالي مضاعفة أبعادها ومخاطرها .
يتطرق هذا الفصل إلى الاطراف أو الجهات التي لها علاقة بموضوعة الاخطاء الطبية، مبتدئاً بوزارة الصحة . فيذكر أنه رغم الاهتمام البسيط من قبل الوزارة بهذه المسألة إلا أن هناك عوامل عديدة تفتقر إليها الوزارة في متابعة ومعالجة هذه القضية، أهمها:
• افتقار الوزارة لأنظمة رقابية فعالة على الطواقم الطبية.
• وقوع العديد من الأخطاء بسبب ضعف في جاهزية المستشفيات.
• عدم وجود أنظمة رقابية فعالة على جودة المستحضرات الصيدلانية، مما يؤدي إلى تداول بعض الأدوية في السوق الفلسطيني دون استيفاء شروط الفحص الطبي.
• افتقار ردود الوزارة بخصوص قضايا الأخطاء الطبية إلى الاعتراف بالمسؤولية التقصيرية للوزارة.
• تشكل في كثير من الأحيان لجان التحقيق من نفس المستشفى الذي وقع فيه الخطأ الطبي، ولا يتم تشكيل لجان تحقيق مستقلة أو محايدة .
• تفتقر سجلات وزارة الصحة إلى إحصاءات دقيقة حول الأخطاء الطبية في مناطق السلطة .
إلى جانب الوزارة هناك نقابة الأطباء حيث يبين الكاتب أن نقابة الأطباء تعمل بموجب قانون الأطباء رقم 14 لسنة 1954 النافذ في الضفة الغربية، بالإضافة إلى قانون الأطباء الأردني رقم ( 13) لسنة 1972 م والمطبق من قبل نقابة الأطباء. القانونان يفرضان على الأطباء المحافظة على الأسس التي تقوم عليها النقابة ومهنة الطب. ويوجب القانون رقم 14 على النقابة مراقبة السلوك المهني للأطباء وتبيان العقوبة على الطبيب في حال ثبت مخالفته لأحكام القانون. هذه العقوبات تتمثل في التنبيه أو التأنيب أمام مجلس التأديب، أو الغرامة النقدية، أو المنع من مزاولة المهنة مؤقتا مدة لا تزيد عن سنة، أو شطب اسم الطبيب من سجل مزاولة المهنة.
أما الطب الشرعي فله أهمية كبرى في مجال الأخطاء الطبية كونه العنوان الأساسي والوحيد للتأكد من وجود الخطأ الطبي من عدمه، وهو أيضا المختص بتشريح حالات الوفاة سواء أكانت ناتجة عن خطأ طبي أم لا . كما ويظهر الدور الهام فيما أكدته النيابة العامة في أنها عند حدوث شك معين حول قضية معينة أو عند حدوث حالة وفاة معينة من المحتمل أن تكون ناتجة عن خطأ طبي يلجأ إلى الطب الشرعي لتبيان الحقيقة.
وللمحامين دور في مسألة الاخطاء الطبية حيث يعتبرالمحامون الجهة التي يلجأ إليها الأشخاص الذين يتكبدون أخطاء طبية، وهم الذين يتولون الدفاع عن حقوق هذه الفئات من المواطنين، وهذا الأمر يفرض عليهم التحلي بالمؤهلات الضرورية التي تمكنهم من المرافعة والدفاع عن حقوق هؤلاء المواطنين، كما أنهم يتولون أيضاً مهمة المطالبة بالتعويضات التي يستحقها الأفراد الذين كانوا ضحية أخطاء طبية، وهو ما يفرض عليهم أيضا التزامات متعددة.
وبخصوص دور النيابة العامة فيذكر الكاتب أن قانون أصول المحاكمات الجزائية الفلسطيني رقم ( 3) لسنة 2001 يفرض على النيابة العامة واجب متابعة الجرائم والتحقيق فيها، ومتابعة أي وفيات تحدث في ظروف غامضة يحتمل معها أن تكون الوفاة حدثت عن قصد، أو نتيجة إهمال يحاسب عليه القانون .
وكذلك الأمر فإن لمؤسسات حقوق الإنسان دور في متابعة الاخطاء الطبية باعتبارها إحدى المرجعيات التي يمكن عن طريقها معرفة المقياس الحقيقي لمدى حجم الأخطاء الطبية في الأراضي الفلسطينية، وذلك نظراً للدور التي تقوم به من متابعة لهذه الأمور ليس فقط فيما يتعلق بهذه الأخطاء وإنما فيما يتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام، وذلك عن طريق آليات متعددة، فقد تتمثل إحداها في رصد الانتهاكات التي من الممكن أن تحصل في مجال الأخطاء الطبية ، أو عن طريق الشكاوى التي تتلقاها هذه المؤسسات عن وجود أخطاء طبية.
ولم يسقط الكاتب الحديث عن القضاء العشائري في الموضوع، حيث يبين أن هذا القضاء لا علاقة له بقضايا الأخطاء الطبية، انطلاقاً من مبدأ عدم التدخل في اختصاصات القانون وصلاحياته.
وبعد أن ينهي حديثه عن هذه الجهات ينتقل الكاتب لتناول مسألة القانون والأخطاء الطبية؛ فيبين أنه ليس هناك نظام قانوني مستقل خاص بالأخطاء الطبية في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يقم المجلس التشريعي الفلسطيني باستحداث أية أحكام جديدة بالخصوص منذ قيامه عام 1996، وإنما يطبق على الأخطاء الطبية ذات الأحكام العامة المنصوص عليها في القوانين النافذة، ولا سيما الأحكام القانونية الواردة بشأن المسؤولية الجزائية في حال الإهمال والتقصير، وكذلك الأحكام المتعلقة بالمسؤولية المدنية التقصيرية في قانون المخالفات المدنية لعام 1944.
وفي الفصل الثامن يتطرق المؤلف الى نتائج الاستطلاع العشوائي الذي اعده ويشتمل على 70 فرداً يتوزعون على مهن ووظائف مختلفة.. الاستطلاع تضمن ستة أسئلة . السؤال الاول نصه :ما هو الوصف المناسب لوجود الأخطاء الطبية في فلسطين؟ فكانت الاجابة : الحالة ( 19) و الظاهرة ( 39) والوباء (12). أما السؤال الثاني : هل تعرضت/ي لخطأ طبي؟ فأجاب20 مستطلعاً بنعم فيما أجاب 50 بـلا . أما السؤال الثالث: هل تعرف/ي أو سمعت/ي عن تعرض قريب أو شخصٍ ما لخطأ طبي؟ فكانت الاجابة أن افاد 55 بنعم، فيما أفاد 15 بلا. السؤال الرابع نصه: باعتقادك/ي ما هي المستشفيات التي تحدث فيها أخطاء طبية أكثر؟ فأجاب 46 فرداً بأن المستشفيات الحكومية هي الأكثر من حيث حدوث الأخطاء الطبية فيها، بينما رأى أربعة أفراد بأن المستشفيات الخاصة هي الأكثر. وبخصوص العدد المتبقي وهو 20 فرداً فإنهم أعطوا نسبة متعادلة لكلا المستشفيين.
وبخصوص السؤال الخامس وهو: من المسؤول عن الخطأ الطبي ؟ فقد توزعت الاجابات على النحو التالي: الطبيب ( 32) الوزارة (5) المريض (2) القضاء ( 7) الطبيب والوزارة معاً ( 9) الطبيب والقضاء ( 2) الطبيب والمريض (1) الجميع ( 12).
السؤال السادس تضمن الطلب من المستطلعين بوضع مقترحات تساهم في مواجهة هذه الاخطاء. نجم عن هذا السؤال 28 مقترحاً أبرزها: تخريج أطباء أكفاء والعمل على تدريبهم بشكلٍ مكثف ونوعي قبل الخدمة، التوظيف على أساس الكفاءة والخبرة لا العلاقة والثقة، أهمية توافر الوازع الديني لدى الطبيب، وجوب تقديم الشكاوى من قبل المرضى والمتضررين، العمل على متابعة شكاوى المريض والمواطنين، نقل مطالبة المتضرر بإثبات الخطأ الطبي إلى ساحة الطبيب، الالتزام بالشفافية في إجراء امتحانات مزاولة المهنة، زيادة الكوادر الطبية، خاصة في المستشفيات الحكومية، توفير الإمكانيات والأدوات والأجهزة الطبية المتطورة، مساهمة الإعلام بشكلٍ فعال في التعريف بأهمية العمل الطبي وتبصير المواطنين بأهمية العلاقة والثقة المتبادلة الواجب أن تتم بين الطبيب والمريض.
في الفصل التاسع تطرق الباحث الفطافطة إلى الحلول الكفيلة للحد من الاخطاء الطبية. هنا نذكر عدد من هذه الحلول التي وضعتها الدول والمؤسسات الطبية أهمها:
• أن بعض الدول المتقدمة، مثل بريطانيا لجأت إلى نظام الروشيتة الالكترونية واستخدام الانترنت في شراء وصرف الدواء، وذلك من أجل الحد من الأخطاء الطبية التي تقع بسبب الأدوية.
• نظام البطاقة الطبية الذكية (Medical Smart Card)، الذي يتوافق مع المعايير العالمية للمعلومات الطبية الإلكترونية، ويمكن تحديث هذه البطاقة أو قراءتها من أي برنامج أو نظام طبي يتوافق مع هذه المعايير.
• يوجد حاليا مبادرات عالمية لزيادة مستوى الوعي المعلوماتي في قطاعات الخدمات الطبية.
• يوجد إنفاق عالمي متزايد للاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات، في نظم وخدمات الرعاية الطبية.
إلى جانب ذلك يبين الكاتب أن بعض الدول تتجه إلى إتباع إجراءات عدة في الحد من هذه الاخطاء مثل:
• إعداد قائمة تدقيق الإجراءات.
• نظام التسوية الودية في قضايا الأخطاء الطبية في التجربة الدولية.
• توثيق قضايا الأخطاء الطبية ودراستها.
• التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية.
الفصل العاشر والأخير فقد خصصه المؤلف لسرد قصص وحالات يقول أصحابها أو ذويها أنها نجمت عن أخطاءٍ طبية، حدثت في مستشفيات عامة أو خاصة بفلسطين. هذه الحالات التي عددها 42 حالة هي ( وفق الكاتب) جزء يسير جداً من حالات الخطأ الطبي التي يتردد الحديث عنها باستمرار في المجتمع الفلسطيني. وقد توخى الكاتب في سرده لهذه القصص التوزيع الجغرافي من الضفة والقطاع، إلى جانب التنويع في الحالات..
يبقى أن نتطرق إلى النتائج والتوصيات التي خُتمت بها الدراسة. فدراسة الفطافطة خرجت بجملة واسعة من النتائج نذكر هنا أهمها:
• إن الأخطاء الطبية ظاهرة عالمية وليست ظاهرة محلية فحسب، غير أن طرق التعامل معها يختلف من دولة إلى أخرى على كافة المستويات الإدارية والقضائية والتشريعية.
• إن طبيعة المسؤولية المترتبة على الطبيب العامل في مستشفى عام تختلف عن مسؤولية الطبيب العامل في مستشفى خاص في بعض الجوانب.
• إن أهم المعيقات التي تواجه المرضى في حالة وقوع أخطاء طبية هي مسألة إثبات الخطأ الطبي في حق مرتكبه، خاصة وأن من يدعون من الخبراء للشهادة في قضايا الأخطاء الطبية هم أطباء ومن الصعب أن يدينوا زملاءهم في المهنة.
• الدولة العربية الوحيدة التي يوجد بها قانون للمسؤولية الطبية هي ليبيا، وهنالك مشروع قانون للمسؤولية الطبية قيد الدراسة في الأردن.
• أن معظم القوانين العربية لا تتضمن نصوصاً خاصة بموضوع المسؤولية الطبية، ولا يوجد في فلسطين والأردن إلا قرارات قليلة جدًا صادرة عن المحاكم بهذا الخصوص.
• تتجه لا يوجد في النظام القانوني الفلسطيني أية أحكام قانونية تلزم أصحاب المهن الصحية أو المؤسسات الصحية بالتأمين ضد الأخطاء أو الحوادث الصحية التي قد تقع منهم.
• ليس هناك أرقام إحصائية دقيقة عن حجم الأخطاء الطبية التي تقع في قطاع الصحة الفلسطيني الخاص أو العام، وإنما توجد بعض الأرقام المتناثرة هنا وهناك.
• ليس هناك معلومات واضحة عن توزيع قضايا الأخطاء الطبية بين القطاع الصحي الخاص والقطاع الصحي العام.
• لا يوجد لدى الجهات الصحية الخاصة والعامة نظام متكامل لتوثيق قضايا الأخطاء الطبية، ودراستها، ومن ثم التوصية بالإجراءات التي يتوجب اتخاذها على كافة المستويات الإدارية والتشريعية والقضائية.
• لا يوجد لدى نقابة الأطباء أو لدى وزارة الصحة لجان طبية دائمة للتحقيق في الحوادث الطبية التي تقع في المؤسسات الصحية.
أما بشأن التوصيات فقسمها المؤلف الى إطارين ونذكر ابرزها:
أ. الإطار العام
• لا بد من تحديد الإطار الحقوقي الذي يجب من خلاله النظر إلى مسألة الأخطاء الطبية والالتزام بـ وحماية حقوق الإنسان بوجه عام، والحق في الحياة والسلامة الجسدية.
• على الأطباء والمعالجين عموماً تقوى الله في كل عمل يقومون به، وأن يرجحوا مصلحة المريض على النفع المادي.
• تأصيل مفهوم الطب الـمُسْنَد بالبيّنات كدليل موثق لمحاسبة الأطباء على الأخطاء الطبية.
• تشكيل لجان طب شرعية من أطباء وفقهاء وقانونيين في جميع مناطق العالم الإسلامي تكون مهمتها إبداء الرأي الشرعي في كل مسألة طبية طارئة، وتحديد نوع الخطأ الطبي، ومدى مسؤولية الطبيب عنه، مع تقرير العقوبة المناسبة وتطبيقها في حال الإدانة.
• تضمين التشريعات نصوصا تنقل عبء الإثبات في الخطأ الطبي من المريض إلى الأطباء.
• تضمين التشريعات نصوصا قانونية تفرض على الأطباء والمستشفيات التأمين ضد الأخطاء الطبية.
• تضمين التشريعات ما يلزم بتشكيل مركز يتولى مهمة التحقيق في شكاوى الأخطاء الطبية وبيان سبب الخطأ وتأهيل الأطباء مرتكبي الأخطاء للتخفيف منها، وتوثيق هذه الحالات.
• إجراء امتحانات كفاءة للأطباء بشكل دوري وكل فترة من الزمن خاصة في سنوات العمل الأولى، لما لذلك من اثر في التخفيف من وقوع الأخطاء الطبية.
• توثيق كافة قضايا الأخطاء الطبية وإجراء الدراسات عليها بما يساعد في التخفيف من الأخطاء بعد الوقوف على سببها، خاصة وأن بعضها متكرر وعائد إلى إهمال جسيم قد يصل إلى مرحلة القصد.
ب. الإطار الخاص ( الحالة الفلسطينية)
• الإسراع في المصادقة على مشروع القانون المدني الفلسطيني بعد إجراء التعديلات المناسبة عليه مع سن تشريعات حديثة تنظم الجوانب المختلفة لعمل المهن الطبية والصحية مع استبدال التشريعات الحالية النافذة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
• اللجوء إلى نظام التأمين من قبل الأطباء كحل وطريق يخفف من مشكلة الأخطاء الطبية الصادرة من الأطباء.
• ضرورة العمل على استحداث نظام قانوني خاص بالتسوية الودية للنزاعات الناشئة عن الحوادث الطبية قبل الذهاب للقضاء، وذلك لتجاوز ما قد يترتب على اللجوء للقضاء من جهد ووقت ومال.
• ضرورة التوعية من اجل التمييز بين المضاعفات الطبية التي تنتج عن أي تدخل علاجي وبين التقصير أو الإهمال لدى تقديم العلاج.
• ضرورة استحداث نظام الوصفة الطبية الإلكترونية التي تُكتَب عند الطبيب وتُحوّل إلكترونيا إلى الصيدلي، ما يساهم في تخفيض عدد الأخطاء الطبية المرتبطة بالوصفة الطبية.
• ضرورة أن يقوم الإعلام الرسمي والخاص بالاهتمام بمسألة الأخطاء الطبية، على أن يكون الإعلامي منصفاً في التناول وعادلاً في التعاطي، ومحدداً لتفاصيل القضايا ومساراتها.
قراءة نقدية
بعد أن قمنا بعرض أبرز ما جاء في كتاب الفطافطة لا بد لنا من تسجيل جملة من النقاط التالية:
1. القضية التي تناولها الكتاب (الأخطاءُ الطبيّة فِي فلسطِين... جرائمُ بِلا أدلّة ) تعتبر الدراسة الاولى من نوعها في فلسطين من حيث المضمون والحجم.. فالمضمون احتوى على قصص ووثائق وتقارير وتحقيقات تنشر لأول مرة، في حين الحجم امتد على صفحات طويلة ليتسنى للباحث الخوض سرداً وتحليلاً واستشرافاً في المحاور والنقاط التي تطرق لها في كتابه..
2. امتاز النص بجزالة اللفظ وقوة الاسلوب ومتانة السياق وموضوعية الطرح وسلامة اللغة والعبارة ونصاعة الفكرة وشفافية التحليل ودقة الاستشراف ..
3. نجح الكاتب في التوازن بين شمولية التناول وعدالة الكتابة عن القضية المبحوثة رغم الغموض والحساسية التي تكتنفها. كما استطاع الكاتب تفكيك الالتباس الذي حاط بالأخطاء الطبية في فلسطين حيناً وتفجير زوايا فيها عبر إضاءة ظلال النص أحياناً.
4. استطاعت الدراسة ـ إلى حدٍ مقبول ـ بلورة ( خريطة ) أو تصور نظري لطبيعة وأبعاد العلاقة بين مثلث الاطراف التي لها صلة بالأخطاء الطبية وهي الضحية والطبيب أو الممرض، إلى جانب الإدارات الطبية. هذه " الخريطة" تتيح ولو بصورة يسيرة تحديد اسس العلاقة بين هذه الاطراف خدمة لصحة المرضى والحفاظ على حياتهم وحقوقهم.
5. لم تكتف الدراسة بالبعد النظري كالرجوع إلى الادبيات فقط، بل تعمق الكاتب في بنية القضية وتحليلها واستشراف أبعادها من خلال الأدوات البحثية التي استخدمها خاصة المقابلات المباشرة واستطلاع الرأي الذي أعده. اتباع هذه الأدوات البحثية جعلها دراسة قريبة الى الدقة ومعطيات الواقع ..
6. استطاع الكاتب أن يوازن بين تخصصية المعلومة وشعبيتها الأمر الذي يمكن الاعتماد عليه كمرجع للمتخصصين والقراء عموماً..
7. اعتماد الدراسة على حزمة مهمة وموثوقة من المصادر والمراجع العلمية في عدة حقول معرفية، لا سيما في حقلي الطب والقانون . هذا الاعتماد المتنوع تم مضاعفة قيمة الدراسة واثرائها مضموناً ودقة.
8. على الرغم من كل ما اتسمت به الدراسة من ايجابيات إلا إنه لازمها بعض السلبيات .. هذه السلبيات يمكن اجمالها في الآتي:محدودية القضايا المطروحة للنقاش وإن اسعف ذلك بتوسيع التحليل لها. هذا النقص يمكن تبريره إذا علمنا أن قضايا الاخطاء الطبية واسعة وشائكة ومتجددة وتحتاج إلى بضعة مؤلفات للإحاطة بقضايا . كذلك؛ فإن الدراسة لم تتمكن من تعبئة بعض النواقص خاصة المتعلقة بالقصص لفقدان الجرأة لدى البعض في كشف تفاصيل هذا الخطأ أو ذاك. كما أن الاشاعة في مسألة الاخطاء الطبية تهيمن على الحقيقة والمصداقية فيها وهذا ما أربك الباحث أحياناً ليحاول " فلترة " كثير من القصص والحالات ليرفض كثير منها رغم سقوطه " ربما" في شباك مثل هذه الاشاعات.
فضلاً عن كل ذلك؛ فقد شاب الدراسة نقيصة عدم اعتمادها على مصادر أو مراجع باللغة الانجليزية .. هذا النقص ربما يكون مستساغاً أثناء تناوله الاخطاء الطبية في فلسطين لغياب أدبيات باللغة الإنجليزية لكن عدم وجود مثل هذه المراجع في الفصول العامة كالحديث عن الاخطاء الطبية عبر التاريخ والقوانين والمعطيات والتصنيفات لا يبرر للكاتب ذلك.
علاوة على ذلك؛ فإن محدودية التقارير والوثائق المرفقة بالدراسة ليست بالمطلوب وإن كانت تسعف الحالة الدراسية عموماً.. هذا النقص له ما يبرره لا سيما إذا علمنا أن أعقد ما تواجهه هذه الاخطاء هو اثباتها بشكل تقريري مكتوب.. فنادراً ما تجد تقرير طبي أو وثيقة تؤكد على أن هذه الحالة ناجمة عن خطأ طبي أو هي مجرد مضاعفات طبيعية للحالة المرضية. .
غير مبرر بخصوص الجزء الأول من العنوان وهو حرية الرأي والتعبير بينما قد يكون مستساغاً في الشطر الثاني منه إذا ما اعتبرنا أن طرح قضية هذه الحرية وصلتها مع الفيسبوك في فلسطين لم تكن قائمة وفق اطار البحث العلمي الأكاديمي الرصين.
يضاف إلى تلك السلبيات محدودية عينة المجموعات الفلسطينية على صفحة الفيسبوك التي تم تحليلها .. رغم هذه الاشكالية إلا أن الدراسة هدفها اثراء الاطار النظري والمعلوماتي أكثر من الخوض في هذه المجموعات التي تحتاج إلى مسح واسع يمتد لأشهر عديدة بغية الوقوف على حقيقة مضمون ووظيفة وأبعاد هذه الصفحات الالكترونية..
مجمل القول: إنّ مجرد تناول هذه الموضوع وطرق أبوابه التي أغلقها صدأ الصمت، والقدريّة، وانعدام الثقة بالنفس أو بالقانون، والجهل المتراكم عبر قرون، يُعدُّ إنجازاً بحدّ ذاته.إنني أعتقد أن هذه الدراسة القيّمة ستنقذ أرواحاً كثيرة بنشرها، فالكثيرون سيرون من خلالها حقائق كانت غائبة أو مغيَّبة، والكثيرون سيعرفون أنّ " قتل" الإنسان أو التسبب بإعاقته ليس قَدَراً في كل الأحوال، وكثيرون سيعلمون أن الصمت ليس الحل الوحيد؛ بل هو مشاركة في التستّر على الجرائم والأخطاء، وكما أنّ كل إنسان مسئول عن عمله، فإن المسئولية الطبية ـ في غالب الأحيان ـ لن تظل بعد نشر هذا الكتاب في ذيل أولويات المواطن وصانع القرار.
نثمن الباحث الفطافطةعلى هذا الجهد البحثي الرائع، مع أملنا في أن يُعطي الباحثون الفلسطينيون قضية الأخطاء الطبية اهتماماً واسعاً ومتواصلاً، حتى نصل بها إلى درجة عليا من المتابعة والمعالجة، وصولاً للحد منها إن لم يكن الامر متاحاً للتخلص من مآسيها وفجاعها...