قبل ما يقارب الثلاثة أعوام أو يزيد،
تأزّم صراع النفوذ بين الرئيس محمود عباس “أبو مازن” ومحمد دحلان “أبو
فادي”، فقرر “أبو مازن” إنهاء الحالة التي كان وما زال يمثلها “أبو فادي”!!
داخل وخارج حركة فتح، واستخدم نفوذه داخلها(حركة فتح) لتقرر اللجنة
المركزية فصل “أبوفادي”، وإنهاء أيّ علاقة رسمية له بالحركة، وإحالته إلى
القضاء فيما يخص القضايا الجنائية والمالية وأيّة قضايا أخرى حسب ما ورد في
تقرير لجنة التحقيق. اتخذت اللجنة هذه القرارات وغيرها بتأييد 13 عضواً
ودون أيّ معارضة، بينما امتنع ستة أعضاء عن التصويت. هذا غير رفع الحصانة
عن “أبو فادي” كونه نائباً في المجلس التشريعي.
لهذا الصراع تاريخ، وهو لم يقم “في يوم
وليلة”، فـ “أبو فادي” المثابر والطموح لم يقتنع يوماً بشخص “أبو مازن”،
فكان يتعمد التقليل من قيمته وقيمة تحركاته دائماً، ويحرّض عليه في جلساته
الخاصة والعامة، مستخدماً ملفات تتعلق به وبفساد أو استغلال أبنائه لسلطة
ونفوذ أبيهم، هذا غير التحرك ضده ومنافسته على النفوذ داخل مؤسسات السلطة
الفلسطينية وداخل حركة فتح.
“أبو فادي” صاحب السلطة والنفوذ اللذين
اكتسبهما وفرضهما داخل السلطة الفلسطينية وحركة فتح بالقوة والحب لم
يستسلم، ولم يسلّم لقرار فصله، فاستخدم تعريفه كنائب في المجلس التشريعي
“المعطل” لرفع قضية ضد قرار رفع الحصانة عنه في المحكمة الدستورية، ووجه
وسائل الإعلام التابعة والقريبة منه للدفاع عنه والهجوم على “أبو مازن”،
واستنكار قرارات الفصل والتجميد، وتحرّكت الأصوات المؤيدة له وغير المؤيدة
لـ “أبو مازن” داخل حركة فتح لتدلي بتصريحات لا تتوقف حول عدم مشروعية قرار
الفصل.
كتب سفيان أبو زايدة -المعروف بقربه من
“أبو فادي”- في مقال نشر له بتاريخ 5-2-2013 في موقع الكرامة برس: “لكن
عندما يكون خصمك هو رئيس السلطة و رئيس المنظمة و رئيس الحركة و هو رئيس كل
شيء في حياتك عليك أن تتحمل و أن تصبر لأن هذا الوضع بالتأكيد لن يبقى على
حاله.”
أمّا على المستوى الشعبي داخل حركة فتح،
فلم يفقد الأصوات المحبّة له فقط، بل كسب إلى جانبها الأصوات غير الراضية
عن أداء “أبو مازن”، فرغم كل قرارات الفصل والعزل للعديد من الشخصيات
القريبة منه، ما زال لديه أصوات مؤيدة في قطاع غزة، رأيناها واضحة يوم رفضت
-علانية- اعتلاء جبريل رجوب “أبو رامي” المنصة ليخاطب الجماهير الفتحاوية
في مهرجان انطلاقة حركة فتح، وقامت بقطع أسلاك مكبرات الصوت، فكيف يعلو
“أبو رامي” منصتهم، و”أبو فادي” لم يكن راضياً عنه يوماً!، وهي نفسها
الجماهير التي ترفع صوره وتلبسها، وتهتف باسمه وتجدد البيعة له “بمناسبة
ومن غير مناسبة”.
وكيف ننسى انتخابات البلديات الأخيرة في
الضفة الغربية، والدعم المباشر وغير المباشر من “أبو فادي” لقوائم مثلت
حركة فتح وقوائم أخرى نافستها، وفي الضفة أيضاً تجد الولاء له واضحاً في
جزء من صراع المخيمات مع الأجهزة الأمنية، وهو الذي بدأ بعد قرار الثانية
إنهاء بعض المجموعات الصغيرة والكبيرة التي تبايع “أبو فادي” والتي قد
تتحرك لصالحه يوماً، هذا غير صراع الشخصيات الفتحاوية المؤيدة لـ “أبو
فادي” والمؤيدة لـ “أبو مازن” فيما بينها والذي يتصاعد تدريجياً.
أمّا الشتات فيكفينا ذكر مبايعة القائد
العسكري الفتحاوي في لبنان محمود عيسى “اللينو”، ورفضه طلب القيادة بعدم
استقبال زوجة “أبو فادي” جليلة دحلان “إم فادي”، وتحديه من يمنعها من دخول
مخيم عين الحلوة، الأمر الذي أدّى لفصله من حركة فتح!.
وعلى الصعيد الدولي والإقليمي، اتخذ “أبو
فادي” من الإمارات مقراً له، وصار أحد رجالها في المنطقة، واستمر في إدارة
الدوائر التابعة له من هناك، وزاد من تعاونه مع جهات دولية -رسمية وغير
رسمية- لزيادة نفوذه، فحسب بعض التقارير الصحفية كان لـ “أبو فادي” يداً في
دعم سيف الإسلام القذافي بالسلاح أيّام الثورة الليبية، وله يداً أخرى
قوية في الإعلام العربي الذي وظفه ضد حركة حماس وضد الإخوان المسلمين في
مصر قبل وبعد الانقلاب الذي كان أحد أدواته، ونشير هنا إلى الدور الأمني
الذي يقوم به في سيناء من خلال نفوذه فيها، بالتعاون مع الجيش المصري،
والقوات الاسرائيلية الموجودة هناك لقطع خطوط إمداد سلاح المقاومة عن غزة،
هذا الدور الأمني هو سبب تمجيد الإعلام المصري لـ “أبو فادي” اليوم. ولـ
“أبو فادي” صداقة جيدة مع رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان،
والذي بالتأكيد سينحاز للصديق وقت الضيق، وقد يستخدم سلطته ليجنب صديقه أي
ضغوط سعودية قد تمارس عليه للتنازل لـ “أبو مازن”، أو حتى يقلل منها كأضعف
الإيمان.
ومن المهم ذكر الدور المهم لـ
“إم فادي” زوجة “أبو فادي” التي تتحرك اليوم كسيدة مجتمع وزوجة رئيس من
خلال المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني “فتا”، وبالتعاون مع مؤسسات خيرية
إمارتية، حيث تقوم بحملات إغاثية في الداخل وفي مخيمات اللاجئين
الفلسطينية، آخرها الحملة العاجلة التي قامت بإيصال مساعدات لأكثر من 500
أسرة في غزة تضررت من العاصفة الثلجية التي ضربت فلسطين. أبرز تحركاتها كان
في لبنان، والتي قدرت قيمة أبرزها بثمانية ملايين دولار. صدر بحق مركز
“فتا” قرار من الحكومة اللبنانية بتقييد حركته داخل لبنان، هذا القرار جاء
بالتعاون مع السلطة الفلسطينية في رام الله.
هذه التحركات وغيرها توضح قوة
شوكة “أبو فادي” وحدّة الصراع، وهي تفسر لنا الأنباء التي أشارت إلى طلب
الإمارات من “أبو مازن” إنهاء الخلاف مع “أبو فادي”، وطلب السيسي من “أبو
مازن” إنجاز الوحدة الفتحاوية قبل الحديث عن المصالحة مع حماس، في إشارة لـ
“أبو فادي”، وتزيد من احتمالية تصريح القيادي في حركة فتح حسام خضر الذي
توقع “أن يُصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بتعيين القيادي البارز
في حركة فتح محمد دحلان نائباً له”، وتزيد من فرص نجاح “خارطة الطريق”
للوحدة الفتحاوية التي رسمها سفيان أبو زايدة، وتحدث الإعلام عنها.
قد يشكك البعض في كل هذه
التحليلات والتوقعات بسبب الفجور في الخصام بين” أبو مازن و”أبو فادي”، وقد
يستبعد البعض نجاح سيناريو عودة “أبو فادي” وهو يتذكر بيان حركة فتح
القائل “وأهلنا في القطاع الحبيب شهود إثبات على عمليات المس بالكرامات
والأموال والمقامات الاجتماعية وحتى الأعراض من دون وازع من ضمير” في إشارة
إلى جرائمه في غزة، ولكني في هذا المقام أعود لأذكر نفسي وإيّاكم بالخلاف
الشهير الذي حصل بين الرئيس الراحل “أبو عمار” و”أبو مازن” والذي يثبت قدرة
حركة فتح على فتح صفحة جديدة، فرغم وصايا الراحل “أبو عمار”، وبعد ما كتب
الكادر الفتحاوي على الجدران “لا لكرزاي ثاني في فلسطين” مشيراً إلى “أبو
مازن” الذي أبعده “أبو عمار” عن رئاسة الوزراء وقتها، بعد خلافات واتهامات
لـ “أبو مازن” ملأت الصحف على إثر الخطة الأمريكي، التي تبيّن أنّها صممت
لإقصاء “أبو عمار” عن المشهد السياسي بتقليص صلاحياته. بعد استشهاد الراحل
“أبو عمار”، مسح الكادر ما كتب على الحيطان، وقدّم “أبومازن” لنا رئيساً،
بمساعدة عدد من الصحفيين والوكالات الاخبارية، متناسياً ما كتب وما هتف.
فرص عودة “أبو فادي” تزداد
يوماً بعد يوم، خاصة مع تدني مستوى شعبية “أبو مازن” بين كوادر وجماهير
حركة فتح، والتي بدورها صارت تبحث عن رموز جديدة لها، بعد عودته القريبة لن
يحظى غيره بالرئاسة، فهو وحده من أبناء “أم الجماهير” من يمتلك حجم السلطة
والنفوذ في الداخل والخارج، ولن يكون هنالك من ينافسه إلا في حال خروج
الأسير مروان البرغوثي، لكن من الواضح أنّ بينه وبين البرغوثي من التفاهم
ما يكفي لتنازل أحدهما للآخر، وحتى لو تنازل “أبو فادي” للبرغوثي فسيكون قد
كسب كل معاركه، وسيكون هو -أي “أبو فادي”- البرنس والمعلم والرئيس القادم
لنا!.